تعمل العقيدة الهندوسية على تطهير الدولة من كل ما هو غير هندوسي وبصفة خاصة المسلمين، وذلك من أجل إقامة نظام الحكم الهندوسي الخالص (الهندو راشترا) أو الهند للهندوس وحدهم.

 ويجادل القوميون الهندوس بأن المسلمين أيام الإمبراطورية المغولية فتحوا الهند واستعبدوا شعبها، وأجبروا جزءاً كبيرا من سكانها على الدخول في الإسلام.

ومن ثم؛ فإن غلاة القوميين الهندوس يجدون في هذا الماضي مبررا لما يقومون به حاليا من عمليات قسرية لإجبار المسلمين على اعتناق الديانة الهندوسية. وبنفس الطريقة؛ تُستخدم هذه الرواية لهدم المواقع الدينية الإسلامية التي يُزعم أنها هندوسية تاريخيا.

وظاهرة معاداة المسلمين التي نشأت في الغرب واستقر على تسميتها بـ"الإسلاموفوبيا"، لم يقتصر انتشارها على الغرب فقط، ولعل خير مثال على ذلك يمكننا مشاهدته في الهند التي تحولت احتجاجات شهدتها في الآونة الأخيرة إلى أعمال عنف ضد المسلمين.

قتل المسلمين بسبب البقر

ورغم أن الهند تعد إحدى أكبر الدول المصدرة للأبقار في العالم، وإلى جانب ذلك؛ فإن هذه القوانين الظالمة تشجع الناس على أخذ القانون بأيديهم، ليضفوا بذلك شرعية على العنف وقتل المسلمين الأبرياء بدون محاكمة.

وقد أدى ذلك إلى أجواء من الخوف تلوح في الأفق تجعل المسلمين يعيشون تحت تهديد دائم، في ظل زيادة حوادث القتل بدون محاكمة يصعب التنبؤ بها، والمرتبطة بذبح الأبقار في مناطق عديدة من الهند. وفي كثير من الأحيان؛ يكون مسؤولون حكوميون وأفراد من الشرطة متورطين في هجمات تتعلق بقتل وذبح الأبقار.

إن أولئك المهاجمين -بمن فيهم الذين يرتكبون القتل- لا تُوجّه لهم تهم على جرائمهم، وليس ذلك فحسب؛ بل إن السياسيين في حزب بهاراتيا جانتا يكرمونهم ويكافئونهم في بعض الحالات، كما حدث في قضية مقتل الرجل المسلم بيهلو خان.

مشروع قانون الجنسية

الحزب الحاكم في بيانه لانتخابات عام 2014، وعد بمنح الجنسية للاجئين الهندوس من بنغلاديش وباكستان.

وبعد وصوله إلى السلطة أعلنت الحكومة أن المواطنين البنغلاديشيين والباكستانيين الذين ينتمون إلى "مجتمعات الأقليات" سيتم إعفاؤهم من متطلبات قانون جواز السفر (الدخول إلى الهند) لعام 1920 وقانون الأجانب لعام 1946.

وتم حصر طوائف الأقليات على أنها: الهندوس والسيخ والبوذيين وجاين والفرس والمسيحيين، وكان ذلك مسموحا لمن يتعرضون لـ "الاضطهاد الديني أو الخوف من الاضطهاد الديني".

كما تم منح أولئك الذين وصلوا إلى الهند قبل 31 ديسمبر 2014 إعفاء من المتطلبات، ثم أصدروا تأشيرات طويلة الأجل.

وقدمت الحكومة مشروع قانون لتعديل قانون الجنسية في عام 2016، والذي من شأنه أن يجعل المهاجرين غير المسلمين من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش مؤهلين للحصول على الجنسية الهندية.

وعلى الرغم من إقرار مشروع تعديل القانون من قِبل "لوك سابها" وهو المجلس الأدنى في البرلمان الهندي، إلا أنه توقف في مجلس الشيوخ، في أعقاب معارضة سياسية واسعة النطاق واحتجاجات في شمال شرق الهند.

وأثار معارضو مشروع القانون مخاوف من أن التركيبة السكانية في المنطقة سوف تتغير مع تدفق المهاجرين من بنغلاديش.

وكرر حزب "بهاراتيا جاناتا" التزامه بتعديل قانون الجنسية في حملته الانتخابية لعام 2019.

وفي 4 ديسمبر 2019، أقر مجلس الوزراء الاتحادي مشروع تعديل قانون المواطنة، وفي 9 من ذات الشهر، قدم وزير الداخلية أميت شاه، المشروع للبرلمان ليتم تمريره بعد يوم واحد بأغلبية 311 نائبًا صوتوا لصالح مشروع القانون بينما صوت 80 ضده.

وتم إقرار مشروع القانون لاحقًا من قبل مجلس الشيوخ في 11 ديسمبر 2019، بأغلبية 125 صوتًا ضد 105 أصوات.

بعد تلقي موافقة من رئيس الهند في 12 ديسمبر 2019، صار مشروع القانون مُفعلا، ويدخل القانون حيز التنفيذ في تاريخ تختاره حكومة الهند، وسيتم إعلان ذلك.

احتجاجات ورفض للقانون

هذا القانون تسبب في نزول الناس للشوارع، في احتجاجات مستمرة منذ ديسمبر الماضي، وليس من قبيل الصدفة أن يشكل المسلمون أغلبية من يقومون بتنظيم تلك الاحتجاجات، كما أنه ليس مصادفة أن تبدأ الشرطة الهندية استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين الذين انضمت إليهم قطاعات أخرى من المجتمع.

وبينما تقول الحكومة، إن القانون الجديد سيوفر ملاذا للفارّين من الاضطهاد الديني، يقول المناهضون إن مشروع القانون جزء من برنامج الحزب الحاكم لتهميش المسلمين.

ويقول المناهضون للقانون أيضًا إنه ينتهك المبادئ العلمانية للدستور الهندي، وإنه إقصائي، وأن العقيدة لا ينبغي أن تكون شرطا للحصول على الجنسية.

وبذلك يواجه المسلمون خطر فقد المواطنة، وهذا الوضع يقتضي وضع علامات استفهام حول العلمانية، وحقوق المساواة بدولة الهند التي بدأت على إثر ذلك تظهر فيها حوادث عنف متزايدة بالتوازي مع الاحتجاجات، وهو أمر كان له بالغ الأثر في تعميق التصدعات القائمة على أساس الاختلافات الاجتماعية.

وكل هذه الأحداث، التي تؤدي حتمًا لارتفاع أعداد القتلى، من شأنها إحداث انقسام في المجتمع الهندي، وجر البلاد حتمًا إلى الفوضى.

فنحن نتحدث عن عشرات القتلى، ومئات الجرحى، ومنازل، ومحال عمل، وكذلك مساجد تم حرقها أو إطلاق النار عليها، وذلك في ظل أجواء من الفوضى لن تجر البلاد إلى حرب داخلية، لكنها ستؤدي لإحداث جروح لن تندمل.

وبالتالي فإنه عند النظر إلى المعسكرات التي تم إنشاؤها للأشخاص الذين ستسحب منهم المواطنة، وإلى الاحتجاجات الرافضة لتلك التعديلات، وإلى عدم وجود أي احتمال لتراجع الحكومة عن هذه الخطوة، يمكننا القول إن الهند تمر بمرحلة حرجة تسببت في تشكيل معالم "الإسلاموفوبيا".

ولا ننسى كذلك أن أجواء الكراهية هذه تلحق أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الهندي، وهذا بالتأكيد ستكون له عواقب وخيمة للغاية من الناحية الاجتماعية.