إن الله عز وجل يبتلي عباده المؤمنين بصنوف شتى من أنواع الابتلاء، فيبتليهم بالصحة أو المرض، وبالغنى أو الفقر، وبالصديق أو العدو، وبغير ذلك أيضًا.

ولكن الدعاة إلى الله ورموز المجتمع وقيادات الصف قد يبتلون بأنهم قدوة لغيرهم. أن تكون قدوة لغيرك ليس أمرًا مفرحًا ولا ميزة تمتاز بها على غيرك!! فتتصدر المجالس ويشار إليك بالبنان!!. إن تكلمت سكت الآخرون!!، وإن حضرت وقف الجالسون، وإن أشرت برأيك وافق الصامتون!! وقد تنسى في خضمّ العمل وزحام الأعباء وتلاحق المهام أنك محط أنظار إخوانك في حركاتك وسكناتك يرقبونك عن كثب كي يتعلموا منك ما يجهلون!! فأنت مَثَلُهم الأعلى!! وأسوتهم الحسنة!! ولا يتوقعون أن يروك إلا في أفضل حال ولا أن يسمعوا منك إلا أفضل مقال.

فأنت يا أخي القدوة.. واقع تحت المجهر!! أخطاؤك الصغيرة عندهم كبيرة ولله درّ مرشدنا الأسبق محمد حامد أبو النصر رحمه الله حين علمنا كلمته الخالدة: "يا أولادي غلطة الكبير.. كبيرة".

إذن فأنت مطالب بما لا يطالب به غيرك، مطالب بأن تكون صورة صحيحة وصادقة لكل ما تدعو إليه وتريد غرسه في إخوانك!! والمحيطين بك من أفراد المجتمع، وذلك بالفعل والسلوك أسبق وأقوى من التأثير بالقوة أو الكلام، وكما يقال: "إن فعل رجل في ألف رجل أكبر أثرًا من قول ألف رجل في رجل".

وبعملية حسابية بسيطة تجد أن أثر الفعل يفوق أثر القول مليون مرة.

أخي القدوة.. كن قيادة تهوى إليها الأفئدة قبل أن تهوى إليها الأبصار بأخذك بالعزائم كما فعل الإمام (أحمد) رحمه الله حين طلب منه تلاميذه أن يتأول ببعض الكلام في قضية خلق القرآن لعل الخليفة يعفيه من السجن والتعذيب أخذ بأيديهم إلى نافذة السجن فإذا بخلق كثير كل منهم أمسك بورقة وقلم ليكتب ما يقول الإمام، فأبى إلا أن يكون من أهل العزائم!! لأن خطأ القدوة قد يؤدي إلى فتنة كثير ممكن يقتدون به فاحرص على من تتعلق قلوبهم بك وترنو أنظارهم إليك.

نعم ستتجشم من أجل ذلك كثيرًا من المشاق فتتعب ليرتاح الناس وتسهر حين ينامون وتجوع حين يشبعون، وتتحمل وتصبر على أخطاء الآخرين؛ لأن المقتدين بك يريدون أن يروك في غضبك ورضاك!! وفي حكمك على الأشياء!! في حسمك للأمور!! وفي رقتك ولينك!!، وفي تضحيتك!! وفي أملك وثقتك بالله!! وفي التأني والتروي وعدم الاستعجال!! وفي رعايتك لحقوق إخوانك!! وفي انشغالك بدعوتك!! وفي تجردك من كل شيء إلا حول الله وقوته!! وفي تواضعك وخفضك لجناحك!! وفي عبادتك وخشوعك!! وفي انتقائك لألفاظ كلامك!! وفي إنصافك من نفسك!! وفي إنكارك لذاتك!! وفي مبادرتك وإيجابيتك!! وفي ملبسك ومظهرك!! وفي معاملاتك المالية!! وعدم استغلال مركزك الدعوي أو القيادي!!!

أرأيت أخي الحبيب إلى خطر ما ألقي عليك من مسئولية جسيمة تجعل الجلد يقشعر من خشية التقصير أو التفريط!!

إذن أخي الحبيب.. اكتب مستقبلك الأخروي من الآن بأن تكون نعم القدوة، فما نجح المرسلون - وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - وكذلك ما نجح المسلمون الأوائل في التأثير في الناس إلا بهذا الخلق (خلق الأسوة والقدوة).