بقلم: سمية مصطفى مشهور

يهل علينا شهر رمضان بما يحمله من نفحات ربانية عظيمة كلنا ننتظرها؛ حتى نرتشف منها؛ فهي لا تتكرر في العام إلا مرةً واحدةً, كما أنه يضاعف فيه الأجر والثواب عن غيره من الشهور؛ فإن ثواب الفريضة فيه كثواب سبعين فريضةً في غيره من الشهور، وثواب أي عمل خير كثواب فريضة؛ فهو فرصة عظيمة لكسب أجر وثواب عظيم والتمرين على أعمال الخير التي نأمل أن تستمر معنا بعد رمضان.

فلعل كل فرد يخطر على باله بأنه سيلتزم مع نفسه بأوراد كثيرة في الطاعة من قرآن وقيام وذكر و.. ولا يشغل نفسه بالناس حتى لا يعطلوه عن الطاعة والعبادة والأجر والثواب، هذا مفهوم محدود وناقص؛ فإن علاقتنا مع الآخرين وحسن التعامل معهم وحثهم على الخير والطاعات وتقوية الروابط مع الأسرة والعائلة والجيران و.. إلخ؛ يعدُّ تقويةً لوحدة المسلمين وإيصال الخير لهم، فضلاً عن الخير الكثير والثواب العظيم؛ لذلك فالخير المتعدي إلى الغير ثوابه أكبر عند الله.

وهذا يجعلنا لا نقصر في حق أنفسنا في الزاد الإيماني في رمضان وحسن استغلال وقته، وعلينا أن ندرك أن هؤلاء الآخرين من أصحاب الحقوق؛ فالأمر ليس اختيارًا أو تفضلاً منا بل حق لهم علينا، لذلك فلنجعل رمضان مناسبةً قويةً أمامنا لتقوية علاقاتنا بالآخرين (الزوج، الأبناء، الأهل، أهل الزوج، الأصدقاء، الزملاء والجيران)؛ تقويةً للصلة ولعموم الأجر؛ فهو شهر الخير والرحمة والمغفرة، فلنجعل من حولنا يشعرون بهذا الخير والرحمة والمغفرة والتسامح في المعاملات وإيصال الخير لهم وتقوية العلاقات معهم.

أولاً: مع الزوج

شهر رمضان فرصة لتوثيق العلاقة بين الزوجين؛ بأن يحرصا على حسن العشرة وإسعاد أحدهما للآخر مع إخلاص النية واستشعار الأجر والثواب عن طريق:

- الحرص على التبسم في أغلب الأحوال، فتبسم الزوجين أحدهما للآخر صدقة يؤجران عليها ولها آثارها الطيبة.

- أن يفسح كل منهما للآخر في قلبه مكانًا واسعًا.

- البعد عن أجواء الكآبة والتوتر والحرص على البشاشة, وامتداح الزوج واستحسان أفعاله؛ وذلك للمحافظة على الود والتفاهم.

- تبادل الهدايا بمناسبة رمضان والعيد "تهادوا تحابوا".

- الاجتماع على طاعة.. يشجِّع أحدهما الآخر على الطاعة والعبادة لنيل الأجر والثواب؛ فالاجتماع على الطاعة يقوِّي العلاقة الزوجية وليحرصا على الاستمرار عليها بعد رمضان، مثل: أن يقرآ القرآن معًا، أو أن يصليا معًا صلاة القيام؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل وصليا ركعتين جميعًا كُتبا من الذاكرين والذاكرات".

- استحضار النية في إعداد السحور والإفطار، مع الاهتمام بإعداد طعام جيد وشهيٍّ.

- نبذ الخلافات وكظم الغيظ والعفو والتسامح واللجوء إلى الله في أية مشكلة؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ كَلَحَتْ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا فَهِيَ فِي سَخَطِ اللَّهِ إلَى أَنْ تُضَاحِكَهُ وَتَسْتَرْضِيَهُ"، وقوله أيضًا: "من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون"، فمع بركة الشهر وإخلاص النية ستحل المشكلات بإذن الله.

ولقد سجلت جمعية مصرية لدعم الأسرة الخلافات الأسرية في رمضان وجدتها أقل كثيرًا من الخلافات في غير رمضان، وكانت النسبة 2: 7 وحتى التي كانت في رمضان يعود أسبابها إلى ما قبل رمضان، فليصبر كلا الزوجين على الآخر، ولنجعل من الشهر الكريم دعوةً للحب الزوجي والأسري.

- التنازل بعض الشيء من الطرفين، والبعد عن الأنانية واستشعار مسئولية كل طرف تجاه الآخر، وتجنُّب الجدال الذي لا يأتي بخير ولا يترك أحدهما الآخر غضبان، بل يبادران بالصلح ولا ينامان إلا على صلح، كما حثنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟" قلنا: بلى يا رسول الله قال: "كل ودود ولود، إذا غضبت أو أسيء إليها قالت: هذه يدي في يدك, لا أكتحل بغمض حتى ترضى".

- حسن تبعُّل الزوجة لزوجها وطاعتها له؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن طالب العلم والمرأة المطيعة لزوجها والولد البار بوالديه يدخلون الجنة مع الأنبياء بغير حساب" كما أنه يعدل الجهاد في سبيل الله.

- إدخال السرور على أهل البيت ثوابه الجنة، فلنحرص على التنويع والابتكار في طرق إدخال السرور على الزوجة والأولاد.

- عدم إثقال الزوج بكثرة المصاريف وأعباء البيت والحرص على الإنفاق باعتدال.

- على الأخت أن تعين أخواتها على طاعة أزواجهن حتى يعم الخير.

- الدعاء للأزواج، وأن ندعو الله بأن يعيننا على طاعة أزواجنا وإسعادهم، وأن يرزقنا محبتهم، وأن يجمعنا وإياهم في جنته.

ثانيًا: مع الأولاد

هناك معانٍ وأمور كثيرة تحب الأم أن تبثَّها في أبنائها ربما يضيق لها الوقت أثناء الدراسة، فرمضان فرصة عظيمة للأم لبث وإحياء وتنفيذ هذه القيم والسلوكيات والعبادات، خاصةً التي يتصف بها الشهر من رحمة وتسامح وصبر و...

- رمضان فرصة للتقارب مع الأبناء؛ فالأسرة كلها تجتمع على مائدة السحور والإفطار وكذلك الاجتماع على طاعة بعمل برنامج إيماني مثلاً للأسرة، يقوِّي من علاقتهم الأسرية والعبادية.

- تعويد الأبناء بالتدرج على الصلاة والقيام؛ فشهر رمضان فرصة للتعود على العبادات والعادات الحسنة وترك العادات السيئة وفرصة للتربية على معاني الإخلاص والصبر والرحمة والمراقبة لدى الأبناء ونحن قدوة لهم.

- إشعار الأبناء بالبهجة والسرور بتزيين البيت مثلاً، كما نحسن استقبال رمضان بأن نبشَّ في وجوههم ونعاملهم برفق ولين وإحسان وإعطائهم بعض الهدايا بمناسبة حلول الشهر الكريم.. نتحدث معهم عن فضائل وثواب الصيام والانتصارات التي حدثت به، وأننا نحاول أن نغير من أنفسنا إلى الأفضل في هذا الشهر المبارك.

- نهتم بالغذاء المتوازن الصحي في السحور والإفطار الذي يعينهم على الصيام، ونعد لهم بعض ما يحبونه من الطعام الشهي دون إسراف.

- نعودهم على الورد القرآني كل يوم، مع توضيح أهميته وثوابه، وكذلك الدعاء والذكر والصدقة وصلة الرحم وصلاة التراويح.

- من المهم جدًّا متابعة الأولاد في صيام الجوارح؛ بأن يحفظ لسانه عن الكذب والكلام البذيء، وعينه عن الحرام، وكذلك بقية جوارحه، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)) (الإسراء) وأنه علينا أن نستعملها في الطاعة ونشكر الله عليها؛ لذلك يجب ترشيد استعمال الهاتف والتلفاز والحاسوب فيما يفيد وبقدر محدد؛ لأن لحظات رمضان غالية وثمينة جدًّا وفي هذا تعويد على الحرص على الوقت.

- يمكن عمل جدول متابعة للأولاد الصغار للتعويد على فعل الخيرات والعبادات والصفات التي نحب أن يكتسبوها (من صيام وقرآن وبر ونظام ونظافة وغيرها) وللكبار برنامج مناسب لهم وللأسرة جميعًا.

- من المهم أن يكون هناك جلسة يومية أو أسبوعية قبل المغرب للقرآن والأذكار ومدارسة أحكام الصيام؛ مما يقوِّي الترابط الأسري ويشجِّع الأبناء على الطاعة.

- عند موعد الإفطار يدعو كل فرد لنفسه ولبقية الأسرة ثم يعمّ المسلمين بالدعاء.

- يمكن عمل مكافأة للأبناء الصغار على ما أنجزوه في رمضان؛ من قرآن وسلوك حسن تحلَّوا به وسلوك سيئ تخلصوا منه.

- الحرص على صلاة التراويح معًا في مكان مخصص بالبيت حصوصا والمساجد مغلقة مع الأسف.

- عدم السهر حتى يتسنَّى لهم سهولة الاستيقاظ في السحور.

- لا ننسى صندوق الصدقات في كل بيت، وتعويدهم على الصدقة للفقراء والمساكين و الأيتام وإشراكهم في أعمال البر (شنط رمضان- ملابس عيد- توزيع مطويات...).