- محمد هلال: لم أكن أفطر يومًا في رمضان مع زوجتي

- بدأت الصيام في سن مبكرة كعادة أهل الريف

- تدارسنا علوم القرآن في معتقل الطور على يد الشيخ التميمي

حوار - إخوان أون لاين:

ولد فضيلة الأستاذ محمد هلال المحامي- عضو مكتب الإرشاد ومرشد جماعة الإخوان المسلمين الأسبق- في 18 أغسطس من عام 1920م في قرية صغيرة تابعة لمركز المنصورة، التحق بالتعليم الابتدائي بالمنصورة، وحصل على شهادة الثانوية العامة، وفي ذلك الوقت كان يمضي الطالب فيها 4 سنوات ويحصل على شهادة الثقافة العامة، ثم يحصل على شهادة البكالوريوس، ثم انتقل إلى القاهرة طالبًا في كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليًا" في سنة 1944/ 1945م إلى أن جاءه أحد الإخوان في كلية الحقوق وهو مصطفى كامل ودعاه إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان فانشرح صدره لها.

* متى بدأت رحلتك مع الصيام؟

** كأي طفل ريفي بدأت الصيام في سن مبكرة بفضل مساعدة والدي ووالدتي عليهما رحمة الله؛ حيث بثَّا فيَّ داخليًّا قوةَ تحمل الصيام، وفي هذه الأيام- أي في العشرينيات من القرن الماضي، وكشاب نشأ في القرية- كان لا بد أن يلتزم بقوانين القرية وعاداتها وهي المحافظة على الصلاة والصيام.

* كيف تقضي شهر رمضان وأنت في هذا العمر الآن؟

** كما يقضيه معظم المسلمين في العبادة وقراءة القرآن واقتناص رُكيعات في جوف الليل، وإن كانت الانشغالات الدعوية مع الإخوان تأخذ جل أوقاتنا، لكننا نعتبرها بإذن الله جزءًا من العبادة، وأذكر أننا كنا نزور قرى المحافظة كلها في شهر رمضان.

* ومتى بدأت علاقتك بالإخوان؟

** في رحلة الدراسة الثانوية لم أكن قد شرُفت بالانتماء لجماعة الإخوان، وكان من أسباب حرصي على أن أنضم إلى جماعة الإخوان وأنا في كلية الحقوق وجود الدكتور محمد خميس حميدة كنائب للمرشد العام حسن البنا، وهو من نفس القرية التي نشأت فيها وكان قريبي، وكانت صلة القرابة أن جدته لأبي هي عمة والدي، هذا بالإضافة إلى الأخ الفاضل مصطفى كامل، الذي كان له الفضل الأول- بعد الله- في الأخذ بيدي، وكان للقاءات درس الثلاثاء في المركز العام أثرٌ كبير في نفسي، وبفضل الله سبحانه وتعالى أصبحت جنديًّا في دعوة الإخوان.

وقد اعتُقلت في 48 قبل أن أُنهي دراستي في كلية الحقوق، ومكثت مدة المعتقل في الهايكستب، وكان مكانًا يشغله الإنجليز، ثم بعد رحيلهم تسلمته الحكومة المصرية وحولته إلى معتقل لشباب الإخوان، وهكذا وبعد أن خرجت من المعتقل في أوائل سنة 1950 قابلت الأخ المرحوم المستشار حسن العشماوي ابن المرحوم محمد العشماوي باشا وزير المعارف في ذلك الوقت وهيَّأ لي مقابلةً مع والده في جامعة القاهرة وشرحت له ظروف الطلاب المعتقلين، وكيف أنهم حُرموا من الدراسة ومن دخول الامتحانات، فجمع الرجل- رحمة الله عليه- مجلس الجامعة وأخذ المجلس قرارًا غير مسبوق بعقد امتحانات لكل الطلاب المعتقلين، سواءٌ داخل المعتقلات أو خارج المعتقلات من الذين أفرج عنهم.

* كيف كان رمضان أثناء وجود الزوجة؟ وكيف هو بعدها؟

** رحمة الله عليها، أكاد أكون طوال شهر رمضان لا أفطر معها يومًا واحدًا، وكان من الضروري أن أكون في صحبة الإخوان في ربوع المحافظة، وكانت رحمة الله عليها تصبر على ذلك وتحتسبه عند الله، وكانت وفاتها ليلة السابع والعشرين من رمضان عام 2002م، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان خرجت لزيارة الدكتور وبعد ساعتين جاءنا الإخوة وأبنائي يخبرونني بخبر وفاتها، وقد صاحبتني منذ زواجنا عام 1953م.. أي منذ 50 عامًا ومرت بمحنة عام 1965 وكان الأولاد ما زالوا صغارًا وقامت بواجبها على أكمل وجه، وشاء الله بعد أن خرجت من السجن وصبرت على انشغالي بالدعوة وموقعي في مكتب الإرشاد.. أذكر لها طيلة حياتها معي وأنا أدعو لها في كل يوم في صلاتي، وأسال الله أن يجمعنا بها إن شاء في الجنة.

أما رمضان بعد وفاتها وبعد أن وصلت إلى هذه السن فالإخوان يعذرونني في كثير من الإفطارات خارج المنزل لظروفي الصحية وسني المتقدمة.

* وماذا عن رمضان في المعتقل؟

** أثناء وجودنا في معتقل الطور، الذي جمع كافة الأعمار من الشباب إلى جانب أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان وأعضاء مكتب الإرشاد، وأذكر أنه في هذه الفترة جاء أول شهر رمضان على ما أذكر عام 1949، وكنا نلتف حول عالم جليل هو الشيخ جبر التميمي، وكان يجمعنا عقب صلاة القيام في كل ليلة ونتذاكر علوم القرآن ويبدأ الشيخ جبر التميمي كعادته كل ليلة من ليالي رمضان بإرسال برقيات إلى رب العباد.. هكذا كان يقول لنا، وكان عمر الشيخ التميمي في ذلك الوقت 70 عامًا، وكان يقول لنا رحمة الله عليه سوف ترون نتيجة هذه البرقيات إلى الله في نهاية الشهر، وفي ليلة عيد الفطر من هذا العام علِمنا من الإذاعات التي كنا نسترق السمع إليها من الضباط وحرس المعتقل ومن بعض الصحف التي كانت ترد مع الضباط ويطلعوننا عليها جاء الخبر الآتي "هدية العيد للشعب المصري إقالة حكومة إبراهيم عبد الهادي"، وكانت منحة ربانية لآلاف الإخوان المعتقلين، سواءٌ في الطور أو في الهايكستب، وكان ذلك في حكومة حسين سري باشا التي أعقبت حكومة إبراهيم عبد الهادي، وهكذا كانت آية من آيات الله الكبرى والتي بشرنا بها الشيخ جبر التميمي (وبالمناسبة هو والد الأخ المهندس سعد جبر التميمي) الذي كان مهندسًا إلكترونيًا وكان مما قدمه المهندس سعد للإخوان في أواخر الأربعينيات وأثناء القبض على الإخوان عقب مقتل النقراشي أن أقام المهندس سعد جبر التميمي محطةً إذاعيةً متنقلة على سيارة جيب يذيع فيها أخبار الإخوان على موجة خاصة، وينتقل بالسيارة من مكان لآخر حتى لا يقبض عليه.

* ماذا يجب أن يمثل شهر رمضان للإخوان المسلمين؟

** هو شهر الانطلاق، فالإخوان ينطلقون في كل بقاع مصر يؤدون واجباتهم نحو الشعب، فقرائه وأغنيائه، يتسابقون في الخيرات ويتقربون إلى الله ويقدمون خدماتهم الاجتماعية والطبية والعملية والثقافية، فرمضان بالنسبة للإخوان شهرٌ لا راحة فيه، وهو شهر العبادات الذي يتقرب فيه المسلمون إلى ربهم وخدمة أهليهم وذويهم، وهذا هو دستور الإخوان المسلمين في رمضان.

ونسأل الله تعالى أن يكون رمضان هذا العام نصرًا للإسلام والمسلمين، وتمكينًا لدعوة لا اله إلا الله، وإعلاءً لنصرة هذا الدين تحت لواء جند الله وهم الإخوان المسلمون، الذين يبذلون كل غالٍ ورخيص في سبيل الله، وهم على ثقة من نصر الله.

-----------
سبق نشره بـ(إخوان أون لاين) بتاريخ 15 أكتوبر 2007