بقلم: مجدي الهلالي

من معاني الإيمان بالله عز وجل: الثقة بأنه سبحانه رب هذا الكون، عالم بكل ما فيه قادر ومهيمن عليه، قائم على جميع شئونه.. لا يخفي عليه خافية، الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية, قلوب العباد وأسماعهم وأبصارهم ونواصيهم بيده كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (يونس: من الآية 22).

أخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد عن ابن عباس قال: لما بعث الله عزَّ وجلَّ موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال: "لا يغركما لباسه الذي ألبسته؛ فإن ناصيته بيدي، ولا ينطق ولا يطرف إلا بإذني".

وللإيمان بهذه الحقائق ثمار عظيمة يتنعم بها صاحبها في الدنيا والآخرة؛ فالإيمان هو الشجرة الطيبة (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) {إبراهيم 24-25}.

ومن أهم تلك الثمار: تفويض الأمر كله لله، والاستعانة به والتوكل عليه عند التعرُّض للشدائد والمحن, ففي هذه الأوقات يتمكن من المؤمن الشعور بالعجز والضعف والهوان فيزداد احتياجه إلى قوة الله لتحميه وتدفع عنه الأخطار التي تواجهه؛ لذلك كانت كلمة المؤمنين في هذه الأوقات (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، ومعناها كما جاء في لسان العرب: "كافينا الله ونعم الكافي".

هذه الكلمة قالها إبراهيم عليه السلام عندما أُلقي في النار، فحفظه الله جل شأنه وكفاه لهيبها، بل تحوَّلت بقدرته سبحانه لتكون عليه بردًا وسلامًا (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)) {الأنبياء}.

وهي أيضًا الكلمة التي قالها الصحابة رضوان الله عليهم عندما توعدهم مُشركو مكة بجموع المقاتلين الحاشدة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) فلم يخشوهم، ولم يكترثوا بهم بل كان ذلك سببًا في استثارة كوامن الإيمان والثقة بالله من قلوبهم (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا) فلجأوا إلى ربهم وتوكلوا عليه واستغاثوا به (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) فماذا حدث لهم؟ (فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ) {آل عمران: 174} .

وعندما سُئلت السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها عن السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف قلت حين ركبت قافلة صفوان بن المعطل؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت السيدة زينب: قلت كلمة المؤمنين.

 نعم- أخي- هذه هي كلمة المؤمنين، وهي السلاح الفعَّال في مواجهة الشدائد والمحن، وبخاصة عندما تُغلق الأبواب الأرضية في وجه أصحاب الحق، وتستنفد الأسباب، ويظن الظالمون أنهم قادرون على تنفيذ مخططاتهم وفرض إرادتهم.

لذلك علينا جميعًا أن نجعل هذه الكلمة تلازم قلوبنا وشفاهنا لاسيما في هذه الأيام العصيبة التي تمرُّ بوطننا، والتي بلغ فيها الكيد والمكر مبلغه (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) {إبراهيم: من الآية 46}.

فيقينًا أن الله عزَّ وجلَّ هو وحده القادر على أن يكفَّ بأس هؤلاء الماكرين المستبدين، ويُبطل كيدهم، ويُطفئ نيرانهم، ويقذف الوهن والرعب في قلوبهم، وكيف لا وهو سبحانه رب كل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، وهو القادر على كل شيء ومحيطٌ بكل شيء، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) {يس: 82}.

فلنفوض أمرنا لله، ولنتذكر دومًا أن هؤلاء الطغاة المستبدين ما هم إلا عبيد لله– شاءوا أم أبوا- مملوكين له، فقراء إليه فقرًا مطلقًا وذاتيًّا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) {فاطر}.

من هنا نقول: حسبنا القوي من الضعفاء، حسبنا العزيز من الأذلاء، حسبنا الغني من الفقراء، حسبنا الملك من المملوكين، حسبنا الرازق من المرزوقين، حسبنا الرب من المربوبين.. حسبنا الله ونعم الوكيل.