بقلم: د. أيمن طلال*

منذ بدأت أزمة فيروس كورونا, وقد تراكمت البيانات والإحصاءات لدرجة بات من العسير متابعة وحصر كل ما ورد بخصوص هذا المرض.

ومن أهم الملاحظات المدعومة بإحصاءات وردت من مناطق كثيرة في العالم انتشر فيها الفيروس بقوة, هي أن الفئات العمرية للمراهقين والصغار دون سن السادسة عشرة أو الثامنة عشرة؛ هم أقل الفئات عرضة للإصابة بهذا المرض والأقل في الأعراض والأسرع في التعافي إذا أصيبوا به.

وبناءً على دراسة قمت بها تبين أن مجموع التطعيمات الأساسية التي يتناولها الأطفال في المرحلة العمرية حتى سن ست سنوات لها قدرة على بناء خط مناعي حصين ضد فيروس كورونا. وبناء على ذلك فإن بلازما هذه الفئة العمرية تحتوي على طيف واسع من الأجسام المضادة المناعية, تمكن هذه الفئة من مقاومة فيروس كورونا والقضاء عليه. وهذه القدرة تقل وتضمحل مع مرور العمر وتختفي تماما في كبار السن ومن لديهم اضطراب في الجهاز المناعي, وهم بالفعل أكثر الفئات عرضة للإصابة بفيروس كورونا وأكثر حالات الوفاه الناجمة عن هذا الفيروس غالبا ما تكون في هذه الفئة.

وأقترحت في الدراسة إمكانية علاج المصابين بفيروس كورونا، لا سيما الحالات الشديدة والحرجة ببلازما تلك الفئات العمرية ذات المناعة القوية, ويعرف هذا النوع من العلاج في علم المناعة بالمناعة السلبية Pasive Immunization والتي يتناول فيها المريض الأجسام المضادة مباشرة من مصدر خارجي, دون أن يكون لجهازه المناعي أي دور في إنتاج هذه الأجسام المضادة.

وهذا بخلاف المناعة الإيجابية Active Immunization, والتي تكون عن طريق اللقاحات والأمصال، والتي يتناولها المريض أو السليم بغرض تكوين أجسام مضادة ذاتية, لها القدرة على الدفاع عن الجسم في حال تعرض للميكروب الذي أعطي اللقاح بغرض الحماية منه مستقبلاً.

وسبق أن قامت الولايات المتحدة بحقن المرضى المصابين بفيروس كورونا ببلازما المرضى الذين تعافوا منه مؤخرا. وقد بدأت وزارة الصحة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية بالعلاج ببلازما المتعافيين كذلك, إلا أن هذا الأمر لا يزال في بدايته، مع احتمال كبير لعدم جدواه، نظرا لانتكاس الكثير من الحالات التي تعافت من فيروس كوونا، وعودة المرض لهم ثانية, ففيروس كورونا وأجسامة المضادة لا تكون مناعة صلبة Solid Immunity . وهي نفس المشكلة التي تجعل من العسير أنتاج لقاح ومصل مناعي فعال ضد فيروس كورونا على المدى القريب.

وتبقى هذا الدراسة أملا في سرعة التحكم في انتشار هذا الفيروس والقضاء عليه, لا سيما إذا أخذت بعين الاعتبار وبدأت التجارب السريرية سريعا لإثبات جدواها. من ثم يصبح ذلك مشروعا قوميا يشارك فيه الصغار بدمائهم لعلاج الكبار الذين أصيبوا بهذه الجائحة التي لم يعرف العالم لها مثيلا خلال العصر الحديث.

--------
* طبيب بشري وباحث متخصص في أمراض المناعة بمركز البحوث الطبية بجامعة الإسكندرية