في الوقت الذي يلهث فيه إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا لدى دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف حيال تركيا بعد قرار مجلس الدولة التركي إعادة آيا صوفيا إلى مسجد مرة ثانية وبطلان قرار تحويله إلى متحف الذي امتد لنحو 86 سنة، كشفت تقارير أن إسبانيا التي تحتضنها أوروبا تضم نحو 4 مساجد كبرى حولتها إلى كنائس وليس متاحف، تضم بينها مواقع أكبر في المساحة من مسجد آيا صوفيا بإسطنبول، بخلاف ما تضمه اليونان وإيطاليا ودول أوروبية أخرى من مساجد حُوّلت إلى كنائس وحظائر ومخازن.
 
مسجد قصر الحمراء
وشيد الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر مسجد قصر الحمراء (في إسبانيا الحالية)، في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي والذي يعد واحداً من أجمل الآثار الإسلامية، وقد تعرض لهدم بعض أجزائه عند سقوط الاندلس 1236، وتحويله لكنيسة "سانتا ماريا" جنوب العاصمة مدريد.
وتضع إسبانيا المسجد ضمن قائمة كنوزها الـ12 وأحد أبدع الآثار الإسلامية حتى اليوم.
واستغرق بناء المسجد أكثر من 150 عاماً، وفق تنظيمات هندسية مميزة ودقيقة وحافلة بالعناصر الزخرفية الرقيقة والدقيقة، وكتابات الآيات القرآنية وبعض المدائح في الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فضلا عن باحاته وبروجه ونوافيره وزخرفاته التي ضمت قصائد شعرية على الجدران والأعمدة، الشاهدة حتى يومنا هذا على عصر الأندلس الذهبي.
وعلى أنقاض المسجد داخل القصر، أُنشئت كنيسة سانتا ماريا، وهو ما يفسر قرب مكانها من الحمامات التي كانت مخصصة للوضوء، والمئذنة العالية المفتوحة للنداء إلى الصلاة.

مسجد قرطبة
وأمر بتشييد مسجد قرطبة الكبير (إسبانيا) الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر عام 754، وافتتحه الأمير عبدالرحمن الثالث للمصلين عام 987 في مدينة قرطبة، ثم تم تحويله إلى كاتدرائية "مريم العذراء" بعد سقوط الأندلس.
في الوقت الذي هُدمت فيه الكثير من المساجد، بقي مسجد قرطبة على حاله، بسبب تصميمه المعماري الفريد، وعوضاً عن إسقاطه بُنيت وسطه الكاتدرائية.
وخلال العهد الأندلسي وتحديداً في عام 784، بدأ أمير قرطبة عبدالرحمن الأول، في بناء مسجد قرطبة الكبير، الذي استمر تطويره قرابة قرنين ونصف القرن من الزمان. إذ أكمل عملية البناء الأمير عبدالرحمن الثالث، الذي وسع المسجد وزيَّنه وأضاف إليه مئذنة خلال عام 961م.
كما اشترى من بعض المسيحيين أراضي مجاورة للمسجد؛ من أجل إكمال التوسعات، واعتُبر حينها مسجد قرطبة واحداً من أفخم وأكبر مساجد الدولة في مدينة قرطبة، والتي كان يبلغ عددها ألفاً.
وحينما سقط الحكم الأندلسي خلال عام 1236 على يد ملك قشتالة فرديناند الثالث، تحول المسجد إلى كاتدرائية مريم العذراء، وذلك على غرار مئات المساجد في الأندلس.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، سلّم عمدة قرطبة خوليو أنغويتا، الملقب بالخليفة الأحمر، مفاتيح مسجد يعود لعام 976 إلى الجمعية الإسلامية في عام 1981، وسمح للمسلمين برفع الأذان لأول مرة وأداء صلاة العيد، وذلك بعد عامين من إقرار البرلمان الإسباني لقانون الحريات الدينية عام 1979.
انتقدت الكنيسة والصحافة الإسبانية خطوة "الخليفة الأحمر"؛ وهو الأمر الذي أدى إلى إلغاء القرار، مع تشديد أنغويتا على أن هذا الموقع يعد من الموروثات التاريخية العالمية، بحسب اليونيسكو.
وانخرط أنغويتا في مواجهة مع أساقفة المدينة، ليتبين بعد وفاته في مايو 2020، أنه اعتنق الإسلام سراً، وكان يحاول حماية حقوق الأقليات في قرطبة والتصدي لمحاولات طمس هويات الموروثات الدينية بالمدينة.
وفي عام 2006 مسحت كاتدرائية قرطبة اسم المسجد من المواقع الإلكترونية ومن النشرات المطبوعة ومن الدليل السياحي، وذلك من أجل ترسيخ الهوية المسيحية للموقع.

مسجد باب المردوم
وتم بناء مسجد باب المردوم في طليطلة (إسبانيا)، عام 999، وعند استيلاء ألفونسو السادس (ملك قشتالة)، على المدينة سنة 1085 تم تحويله إلى كنيسة "نور المسيح"، ثم تحول إلى مزار سياحي اسمه مسجد نور المسيح.
مسجد باب المردوم في طليطلة
وعلى الواجهة الغربية للمسجد، عُثر على نقش كُتب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم.. أقام هذا المسجد أحمد بن حديدي من ماله، ابتغاء ثواب الله، فتم بعون الله على يد موسى بن علي البناء وسعادة فتم في المحرم سنة تسعين وثلاث مئة".
ومسجد باب المردوم مسجد صغير لا يزيد طول ضلعه على 8 أمتار على شكل مربع.
وعندما تم تحويله إلى كنيسة، بُني جدار مستدير؛ لإضافة ما يحتاجه مصلب الكنيسة ومذبحها من غرف صغيرة.
وكانت للمسجد قبة صغيرة تقوم على 4 أعمدة ضخمة في وسطه، وقد أُزيلت القبة، ولكن أجزاء السقف حولها مزيَّنة بدعامات من الحجر المتقاطع، لتدل على أن قبته كانت تشبه في هيئتها القباب الصغيرة بجامع قرطبة.

جامع إشبيلية
وجامع إشبيلية الكبير افتتح للمصلين عام 1182م، في عهد الخليفة أبو يوسف يعقوب، وبقى كذلك حتى سقوط إشبيلية بيد ملك قشتالة فرناندو الثاني الذي أمر بتحويل الجامع إلى كنيسة "جيرالدا بسيفييا".
واستمرت عملية بناء جامع إشبيلية الكبير 10 سنوات كاملة، وكان آية في الجمال العمراني الذي يعكس الفن الإسلامي بتلك الحقبة، وشُيِّدت مئذنة الجامع بعد النصر بموقعة الأرك، في 10 يوليو عام 1195م/591هـ، لتكون حسب طلب الخليفة أعلى من مئذنة جامع قرطبة.
وتعرض المسجد لعدة زلازل ضربت المنطقة، فاتخذ المجلس الكنسي بإشبيلية قراراً بهدمه وبناء كاتدرائية قرطبة مكانه.
وبالفعل تم هدم عدة أجزاء منه، فيما حافظ بهو الجامع المعروف ببهو البرتقال على سلامته بشكل كبير، حتى تهدَّمت مجنبته الغربية عام 1618.
وتعد كاتدرائية إشبيلية حالياً كبرى كاتدرائيات القرون الوسطى، وقد اختيرت سنة 2007 لتكون هي الأخرى واحدة من كنوز إسبانيا الاثني عشر.