التقى الباحث الفرنسي بابتيست برودار مع باحثين أوروبيين وعرب من أن العمل الاجتماعي للمسلمين في أوروبا شهد نكرانا للذات (عدم إظهار الايدولوجيا) والتزاما بالتطوع.
وقال "برودار" على هامش مائدة مستديرة ضمن ندوة نظمتها جمعية تسامح الناشطة في مجال مكافحة التشدد والتطرّف بمدينة بيل/ بيان السويسرية يوم 16 نوفمبر 2019، نشرها موقع "سويس انفو"قبل يومين أن حكمه صدر عن إخضاع للعمل الاجتماعي الإسلامي في سويسرا إلى التحقيق والتدقيق خلال اعداده لأطروحة دكتوراه.
وعلى عكس ما تقدمه الإمارات وتشاركها فيه بعض الاستخبارات الأوروبية من أن البعض أجندة سياسية أو حتى خططا لأسلمة المجتمع، يرى هذا الباحث الفرنسي انخراطا يعبّر عن التزام ونكران للذات.

وفي سؤال أحدهم عن السبب للظهور المفاجئ للخدمة الاجتماعية لدى المسلمين، أجاب "برودار" أنه في مواجهة المشاكل الاجتماعية، لا سيما في المدن الفرنسية، شعر بعض الفاعلين الدينيين، وبدافع من عقيدتهم، بالحاجة إلى الانخراط، لا سيما في المناطق التي تفتقر إلى تدخل الدولة، كليا أو جزئيا. هذا الالتزام الاجتماعي هو أيضا جزء من التطوّر الطبيعي لانخراط المسلمين في العمل لصالح المجتمع، التزام يُفهم على أنه انخراط مجتمعي باسم الإسلام وتحت يافطته.
وعن الأغراض السياسية المتوقعة من وراء المشاركة الاجتماعية قال "حاليا على الأقل، لا أعتقد ذلك. في رأيي. بالطبع، تسعى الجماعات المقربة من جماعة الإخوان المسلمين إلى الانخراط في جميع مجالات الحياة للوصول إلى مجتمع يتوافق مع رؤيتهم الإسلامية. ويلتقي منطقهم في العمل الخيري مع التزامهم السياسي. ومع ذلك، إذا تجشمنا الصعاب ونزلنا إلى الميدان، نلاحظ أن هيكلة العمل الاجتماعي الإسلامي مستقلّة بنفسها ولا تنتمي إلى حركات عبر وطنية".

نفي تام
وعن وجود أجندة خفية (كالتي تزعمها مراكز أبحاث تابعة لدولة الإمارات)  قال إنه لم يعد بحثه حول "توظيف الخدمات الاجتماعية لأغراض سياسية قائمة حاليا"، واستدرك قائلا: " أودّ أن أشير إلى أنه لم يكن بوسعي الوصول إلى مثل هذه الاستنتاجات رغم وجودي في هذا الميدان منذ عشرين عاما".
وأضاف "الكثير من أتباع هذه الديانة لا يفضلون الانتماء إلى هذه الحركات الدينية العبر وطنية، كما أن الجمعيات التي ينشؤونها لا تتنزل ضمن إطار إيديولوجي أو تنظيمي عابر للحدود الوطنية".
وتابع: "نحن نشهد ظهور إسلام محلّي يريد أن ينآى بنفسه عن أي ارتباطات أجنبية. هذه ظاهرة غير معروفة وتتناقض مع بعض الأطروحات السائدة في مجال العلوم السياسية، والتي ترى أن العمل الاجتماعي يخفي بالضرورة أجندة تتمثل في السعي إلى أسلمة المجتمع". وخلص إلى أن الأجندة الخفية مجرد "صراع أكاديمي، برأيي، سيتصاعد في السنوات القادمة".

تأثير الصراع العربي
وأنحى باللائمة على الصراع القائم بين قطر والإمارات، وقال: يوجد حالات مثبتة لمحاولات لاستغلال العمل الاجتماعي لأغراض أخرى، حصل طرف المراكز الإسلامية، التي قد يكون البعض منها مرتبطا بحركات دينية أجنبية.
وأن الصراع السالف أثر إيديولوجيا على الفاعلين المسلمين في المجال الاجتماعي في سويسرا، حتى بدون وعي منهم. لذلك لا يمكن تجاهل تأثير الاتجاهات والحركات الإسلامية العالمية.

مكافحة التطرف
وعن الإجراءات الملموسة التي تقوم بها هذه المنظمات الإسلامية، أشار إلى أن "مركز الخدمة الاجتماعية الإسلامية بجنيف ( SASI)" كمثال، يقدم الطعام للمشردين، وتنظم الجمعية أيضا دروسا لتعليم اللغة الفرنسية للمهاجرين. وفي بيل/ بيان، تكافح جمعية تسامح تطرّف الشباب، وتكافح المخدرات وتسهل الاندماج وتعزيز التماسك الاجتماعي. وتلقت هذه الجمعية أيضا دعما كبيرا من جهاز الشرطة الفدرالية.
وأضاف أن هناك أكياسا لمساعدات غذائية، يوزعها مركز الخدمات خلال فترة الإغلاق التي شهدتها سويسرا بسبب فيروس كورونا.

فرق المدن الأوروبية
وعم الفارق بين سويسرا وفرنسا في العمل الاجتماعي الإسلامي، أشار إلى تطوّر  الخدمة على هامش المجتمع الفرنسي، من دون انتظار الاعتراف أو التمويل الرسمي من أجل الإسهام في حل المشاكل الاجتماعية في أحياء معيّنة غالبية سكانها من المسلمين.
وفي سويسرا، على العكس من ذلك، تم التعرّف بسرعة على المنظمات الناشطة في هذا المجال من طرف وسائل الإعلام والشركاء السياسيين، وهي حالة فريدة من نوعها على المستوى الأوروبي. في سويسرا، توجد ثقافة التفويض، يعني أن الدولة تعمل بإشراك الجهات الفاعلة الخاصة، سواء كانت دينية أم غيرها، في المجال الاجتماعي.
وأشاد بالرؤية في سويسرا قائلا إن السلطات العامة فيها ترى أن العمل الاجتماعي الإسلامي يمكن أن يسهم في بناء الجسور بين المجتمع المحلّي والتجمعات الإسلامية، والهدف الأخير من وراء ذلك هو تحقيق التماسك الاجتماعي.

المحط العلمي
وقال الباحث بابتيست برودار إن ظهور الطابع الإسلامي لأعضاء الجمعيات الإسلامية المشاركة في العمل الاجتماعي قال إنه "يختلف من فرد إلى آخر".
وأوضح "بعض النساء يرتدين الحجاب، والبعض الآخر لا يرتدينه. بالنسبة للرجال، ما يمنح الانطباع بالانتماء للإسلام من عدمه هو البلد الأصلي الذي يأتي منه الفرد أو اسمه".
وعلى الجانب الآخر (غير المسلمين) قال "يمكننا أن نجد متطوّعين من أمريكا الجنوبية أو من سويسرا، من غير المسلمين، الذين ينخرطون في هذا العمل بدوافع إنسانية بحتة".
واستردك "وفي حالة المنتمين لمركز الخدمة الاجتماعية الإسلامية بجنيف ( SASI)، تقديم هذا المركز لخدمات دينية، كمنحه نسخا من القرآن أو سجاد صلاة لأي شخص يطلبهما، لكن لا يوجد تبشير (دعوة) نشط.

تأثير اليمين المتطرف
وفي ورقة تحليلية لموقع قنطرة نشرت في ديسمبر الماضي، قال الباحث أوزان زكريا كسكينكيليتش إن "العنصرية ضد المسلمين تعني ما هو أكثر من التمييز ضدهم، لأنها تعني أيضًا: فهم العالم فهمًا أيديولوجيًا يدعو إلى إعادة هيكلة المجتمع والسيطرة عليه بحجة "الخطر الإسلامي". ومن لم يَنْصَعْ لمطالب اليمين المتطرف يفتح الباب على اتهامه بالتأسلم.
وقال "الباحث إن نظريات المؤامرة حول الأسلمة مؤثرة حتى دون مسلمين، موضحا أنها تعتمد على الصورة المتخيلة للمسلم التي لا توافق الحقيقة. هذه الصورة يتم الدفع بها لتفسير الظروف المجتمعية السيئة والشرور الاجتماعية، وتُعكس على من يطابقون في شكلهم وصف المسلم، أو على "شركائهم" من البيض.
وأوضح أن العنصرية ضد المسلمين لا تعني فقط التمييز ضدهم أو ضد من يبدون مثلهم. هذه الظاهرة تحولت إلى فهم أيديولوجي للعالم يدعو إلى إعادة هيكلة المجتمع والسيطرة عليه بحجة "الخطر الإسلامي".
وحذر من أن لسان حالهم يقول: "من لم ينصَعْ لهذه المطالب اليمينية الشعبوية، يفتح الباب أمام اتهامه بالأسلمة".
وأوضح أنه "وكألمان متأسلمين، هذا يحرمهم من حق الانتماء إلى "الشعب الأصيل"، أو حتى تمثيل هذا الشعب سياسيًا. وبناءً على هذه السرديات المعادية للمسلمين، تُصاغ سياسات أمنية تمهد الطريق أمام انتهاك الحريات الديمقراطية والقانون، بدءًا بدعوات الانعزال ووصولًا إلى مراقبة المجتمع وضبطه بالجملة".