من سائرٍ تحت الراية وبمحيطها إلى حاملها، أوكل الإخوان المسلمون إلى الدكتور محمد بديع سامي بروفيسور الطب البيطري والمربي الفاضل في صفوف الجماعة، أن يكون مرشدهم وإمامهم، في وقت كان ترشيح مرشد عام في انتخابات مثيرة لكثير من الجدل، حيث كان المرشد الثامن للجماعة في ظل وجود مرشد عام على قيد الحياه الشهيد محمد مهدي عاكف.

يرتدي بديع بدلة السجن متحملا دعوته إلى السلمية وملتحفا الأرض التي هي أيضا منامته، وهو في السابعة والسبعين يقضي عامه السابع بين إخوانه المعتقلين والمحكومين في نحو 6 مؤبدات (أحكام تصل إلى 25 سنة سجن)، تراكمت لنحو 261 سنة. كان آخرها في 14 يوليو الماضي، حيث رفضت محكمة النقض إلا تأييد حكم المؤبد له ولـ87 مواطنا آخرا في قضية أحداث العدوة بالمنيا، إضافة إلى عدد من القضايا التي تنتظر أحكاما نهائيا بلغ عددها 47 قضية إلى الآن.

وفي ظل هذه الأحكام، يستلهم الإخوان منه محاربة اليأس ودفع القنوط واستحضار الأمل، وهم يستمعون لمرشدهم العام، يحثهم على ذاك، وهو يردد أنشودة "هتفرج هتفرج بإذن الإله.. ونخرج وننعم بنور الحياة" غير مكترث بحشوات أفواه قضاة الظلم فشعاره "تهون الحياة وكل يهون ولكن إسلامنا لا يهون أقصانا.. قدسنا.. مصرنا لا تهون".

رغم ظروف اعتقاله في ملحق مزرعة طرة، فلكم نشرت "ضحى" ابنة مرشد الإخوان عدة تدوينات على صفحتها الشخصية على فيسبوك، تحدثت فيها عن الأوضاع السيئة التي يعيشها والدها المسن داخل محبسه الانفرادي، بما لا يليق على الأقل مع سنه، فضلا عن مكانته في العالم الإسلامي وبين الأمة.

يوم الجمعة 7 أغسطس، واصلت ضحى محمد بديع تذكُّره في يوم مولده، في وقت يحبسه الانقلاب في زنزانة انفرادية: فتقول: "أتم والدى اليوم ٧٧ عاما، قضى منها فى سجون الظالمين ٢٠ سنة، آخر ٧ سنوات منها فى سجن انفرادى، آخر ٤ سنوات ممنوع عنه الزيارة تمامًا". وتضيف "كل سنة نزود الأرقام واحد.. يارب دايما نزود ف عمرك واحد ورا واحد ويرزقك الصحة وطول العمر ولكن.. سنينك ف السجن ومنعك من الزيارة يارب تتوقف ومنزودهاش تانى يا رب.. دثرونا بالدعاء ف نحن فى أمسّ الحاجة له".

لم يحكم بديع يوما في مصر، ولم يسجل عنه اختلاس أو فساد للعباد، ولا غسل للأموال أو نهب للميزانيات، أو بغض لأبناء مصر، لكنه بات بوضعه شاهدا على كذب الانقلاب وتدليسه فيما يتعلق بالإرهاب وتلفيقه وانحياز القضاء الشامخ لمن يخضعهم تحت مداسه.

ومنذ اغتال الانقلاب المرشد السابق محمد مهدي عاكف في سبتمبر 2017، بالإهمال الطبي المتعمد، ورفضه –رحمه الله- أن تكتب سبابته استرحاما لحاكم مجرم دموي ظالم، حاول في أكتوبر 2018، أن يعتدي بضربات قاتلة على الدكتور بديع وهو في حالة من التدهور الصحي، بعد تعرضه لاعتداء من أحد ضباط الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا).

حتى إن المراقبين عبروا عن خشيتهم وقتئذ أن يلقى الدكتور محمد بديع مصير الرئيس الشهيد محمد مرسي، الذي توفي في يونيو الماضي أثناء إحدى جلسات محاكمته، وكذلك المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف.

وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين مناشدة وجهتها للأمم المتحدة وكافة المؤسسات الحقوقية والقانونية الدولية والمحلية إنقاذ مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع.
وحمّلت الجماعة -في بيان لها نشر في أكتوبر الماضي- سلطات الانقلاب في مصر المسئولية عن حياة الدكتور محمد بديع، الذي تتدهور حالته الصحية، بسبب التنكيل به.

وأوضح البيان أن بديع ما زال محتجزا في حبس انفرادي ومجردا من شتى وسائل الحياة، فضلًا عن منع الزيارة عنه منذ أربع سنوات متواصلة، إضافة إلى منعه من مقابلة محاميه.
وقالت الجماعة إن الجرائم التي ترتكب في صمت ضد الأبرياء من دون تحرك من كل صاحب مسئولية لوقفها لن تسقط بالتقادم، ولن يفلت مرتكبوها من الحساب العادل أمام محاكم عادلة في الدنيا، ومن حساب الله المنتقم الجبار في الآخرة.

وتولى الدكتور بديع عددا من المناصب الإدارية بالجماعة، وملفات مهمة، حتى اُنتخب لعضوية مكتب إرشاد الجماعة عام 1993م، ثم أصبح عضوا بمكتب الإرشاد العالمي 2007م، ثم تم انتخابه مرشدا "ثامنا" للجماعة في 16 يناير 2010م.

وحرص عاكف على أن يكون أول المبايعين للمرشد الجديد الذي حرص بدوره على تقبيل رأس المرشد السابق والاعتراف بفضله، في رسالة قُرأت في وقتها ردًّا على ما نُشر في الإعلام عن وجود خلافات في أعقاب انتخابات مكتب الإرشاد التي جرت في ديسمبر 2009.

وفي عام 1959 تعرف د. بديع على أحد أعضاء الإخوان المسلمين السوريين الحمويين، وهو الدكتور محمد سليمان النجار الذي دعاه إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان، فاقتنع الشاب الصغير وتحمس للفكرة برغم أجواء الخوف التي كانت تثار عند ذكر كلمة الإخوان وقتئذ، وترك النجار أثره على د. بديع في إخلاصه لدعوته وبذله الجهد والوقت من أجلها، وقد قال د. بديع عنه إنه هو الذي تابعه بالتربية والتنشئة وعلاج الثغرات وسد النقائص.

في نفس العام بدأ الشاب الصغير في حفظ الجزء الأخير من القرآن وبعد إتمامه رتبت له تصاريف القدر موعدًا مع سيد قطب، حيث أهداه داعيته سليمان النجار الجزء الأخير من "في ظلال القرآن" فشعر د. بديع كما يقول أن جسده قد دبّت فيه الروح وأنه لم يذق حلاوة القرآن قبل ذلك.

قُبض على د. بديع وألقي في السجن ليرى بنفسه ما كان يسمعه من إخوانه عن جحيم سجون عبدالناصر.
ومن خصائص د.بديع أنه لا يتحدث دون أن يتضمن حديثه آيات القرآن والأحاديث الشريفة، فالرجل يرى أن كل الإجابات موجودة في القرآن والسنة، حتى في معرض إجابته عن سؤال عن أسباب الحملات الإعلامية على الجماعة استشهد الرجل بآيات قرآنية، وعندما تحدث عن كرة القدم تحدث عنها وفقا للقرآن والسنة، فيقول إن الورد الرياضي أخو ورد التسبيح، أما عن النادي الرياضي الذي يشجعه فقال: ليس لدي تعصب لناد من النوادي، فأنا أبحث عن أفضل ناد خلقا وسلوكا؛ لكي أحبه..، كما أشجع فريق المحلة حتى يستمر في الدوري العام، بالإضافة إلى منتخب بلادي.

أما مقالات د. بديع المعدودة فحملت معظمها عناوين علمية طبية بيطرية وتربوية وربط الأحداث والمواقف الجارية بالتربية والحركات العلمية.