لا تصدقوا ما يردده إعلام النظام من أن هدم البيوت لأجل مكافحة الفساد والقضاء على العشوائيات، بل العكس هو الصحيح؛ فإن ما يحدث لأجل تقنين الفساد، ولجمع مزيد من المال لدعم خزينة الدولة الخربة، ولبث مزيد من الخوف فى قلوب الناس لئلا يتطلعوا إلى تغيير أو إصلاح.

وقد أكدت التصريحات الرسمية لقادته، وفى أكثر من مناسبة ما نقول، فالتهديد بنزول الجيش لـ"يبيد" هذه المخالفات، وهو عمل قوات الأمن بالأساس، لا يعنى سوى أنهم جعلوا الجيش فى مواجهة الشعب، وهى رسالة تخويف تستدعى حالات الدول التى تمزقت جراء هذه المواجهة، وتحمل أيضًا فى مضمونها أن تجاوز هذا النظام فى حق الشعب لا تعطله خطوط حمراء.

ولو كان الهدف مكافحة الفساد كما يدَّعون لحاكموا موظفى الأحياء الذين رخصوا هذه المبانى وقننوا ملكيتها مقابل رشاوى حصلوا عليها من المخالفين، لكن العجيب أن هؤلاء الفاسدين هم من يشرفون الآن على هدم هذه البيوت ويعطون الأوامر للجرافات لإزالتها. لقد تسربت بعض الخطابات الرسمية وتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى وتأكد منها أن الجدية فى الإزالات مقصودة فى البداية كى يتدافع المواطنون نحو الخزينة لإيداع قيمة المخالفات بعدما رأوا الحزم فى التنفيذ؛ ما يعنى أنهم لا يبغون التخلص من العشوائيات، إنما الهدف تحصيل أكبر قدر من أموال هؤلاء المساكين.

نحن أمام نظام فاشل، فاسد، آيل للسقوط تحمله دعامات حرام هى ما يسرقونه من جيوب المواطنين، وما يفرضونه من جبايات ليس لها أى سند من قانون، ومن الصعب أن يدوم هذا الحال، وقد صار الناس فى كرب وضيق ربما دفعهم إلى المواجهة مهما كانت كلفتها، كما من الصعب أن يستمر طبع بنكنوت.. فليس أمامهم إذًا، والحال هكذا، سوى البحث عن وسائل أخرى لابتزاز الشعب وسلب أمواله، وهو ما نتوقعه وربما جعلنا –لا سمح الله- من سكان المخيمات.

انتظروا المزيد من القهر، والمزيد من الوقيعة بين الشعب وجيشه، وبين الشعب والشعب، من نظام عسكرى مخادع لا يتورع عن فعل أى خطيئة  فى سبيل بقائه، وفى ظل عدم اعترافه بشعب يزيد تعداده على المائة مليون، وفى ظل تحصنه بالقوة العسكرية التى خُلقت أساسًا لحماية الحدود، وفى ظل عصابة كبيرة فى شكل بطانة تبحث عن مصالحها الذاتية.. وكذلك فى ظل خفوت صوت الشعب وانكساره وتردده فى الاعتراض والمواجهة.

رفع النظام أسعار المحروقات بعد الانقلاب بفترة وجيزة فسكت المواطن، مصدقًا كذبهم، فرفعها مرة ثانية وثالثة، ثم بدأ فى إلغاء الدعم بشكل قاس شكل عبئًا ثقيلًا على المواطنين الذين تململوا لكنهم لم يعارضوا كما يجب، فانطلقوا يحمِّلون الشعب ضرائب وجبايات وصلت لحد فرض ضرائب على الموتى.. ولو أن هذه الأموال عادت إلى الشعب مرة أخرى ما ضره شىء، لكنها لم تعد إليه، ولم تُعرف مصارفها، وكل يوم تزداد الخدمات الشعبية سوءًا فلا تعليم ولا صحة ولا إصلاح ولا تنمية..

أين ذهبت هذه الأموال؟ حتى هذا السؤال لا يستطيع أحدٌ توجيهه إلى النظام، بل لا يستطيع أحدٌ، وقد انتفت المحاسبة، أن يسأل عن قانونية "الصندوق السيادى" الذى وضع كل متحصلات "المحروسة" فى خزانته وقد حصنته القرارات الرئاسية بعيدًا عن قنوات التشريع المعروفة.

لا أبالغ إن قلت إننا أمام تجريف واضح للدولة المصرية، وانهيار عمدى لمقدراتها، بأيدى من يفترض أن يحافظوا عليها؛ لأن ما يجرى من استفزاز للشعب وتحريضه على العنف والكفر بالوطن والمواطنة ليؤكد أننا أمام نظام يخطط لإفقار الشعب وتجويعه، وإلجائه قسرًا إلى سلطته يستجديها، ولا أمل –فى المقابل- فى الخروج من هذه الأزمة المستحكمة.. وهذا ما يستدعى نفور المصلحين لبذل المزيد من الحركة لصد هؤلاء المحتلين؛ ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تأتينا –لا سمح الله- الفوضى والمجاعة، ولا تسأل ساعتها عن الجناة الذين فروا بطائراتهم بعدما نفذوا "أجندات" من أتوا بهم حكامًا علينا.