لا تزال المساجد والمآذن تئن في مصر وتشكو حزنها وبثها إلى الله، من إجرام العسكر، في مذبحة جديدة بعد مذابح الركع السجود، المذبحة هذه المرة موجهة إلى بيوت الله، التي قال الله عنها: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور: 36 - 38].

مذبحة المساجد اليوم، بزعم أنها مخالفة، أو مقامة على أملاك الدولة، أو أنها تعطل طريق محور المحمودية، في جرأة شديدة، غير معهودة.
حتى إن عبدالناصر، الذى قتل وسجن العلماء، وفعل ما فعل، لم يجرؤ على فعل ذلك، بل على العكس، بنى في كل مدينة مسجدا، وأطلق عليه مسجد ناصر، بجوار محطات القطارات، أو في مكان مميز في المدينة، ولا تزال هذه المساجد حتى اليوم، وتحمل نفس الاسم.

وكالعادة قامت إفتاء الدم بتبرير هذه الجريمة الشنعاء، باعتبار أن كل مسجد بنى على أرض الدولة دون تصريح، فهو مسجد مبنى على أرض مغصوبة.
وأن المسجد إذا اعترض الطريق فإنه يُزال، ويمكن للدولة أن تبنى مكانه أو لا تبنى، لكن المسجد الذى بنى بتصريح من الدولة، فهذا مسجد موقوف لله سبحانه وتعالى وقفا صحيحا تاما وفق شروط الوقف، هذا مسجد تبقى له المسجدية تماما، وإذا تعارض بقاؤه مع المصلحة العامة فإنه يزال بشرط أن يُبنى مسجد مكانه بنفس المساحة أو أكثر منها فى مكان آخر لا يتعارض مع المصلحة العامة.
لكن إذا اعترضت الكنيسة الطريق، هل يستطيع العسكر إزالتها؟!!

فقد اعترف أحد القساوسة، بأنه يوجد 80% من الكنائس تم بناؤها على أراضي الدولة.. وأراضٍ زراعية.. وأراضي وضع يد وبدون أوراق. لكن يبدو القانون، وفتاوى إفتاء الدم، موجهة لهدم المساجد فقط؟!!
وكما يقول فقهاء القانون، إن القاعدة القانونية قاعدة عامة مجردة: بمعنى أنها موجهة إلى كافة الأشخاص في المجتمع، فهي لا تخاطب أناساً بعينهم ولا واقعة بعينها، بل الخطاب فيها موجه للأشخاص بصفاتهم وللوقائع بصفاتها، فالقاعدة القانونية تطبق على كل من توافرت فيه. فلماذا تستثنى الكنائس، أم أن" من له ظهر لا يجلد على بطنه"؟!!

لقد هدم قائد الانقلاب 35 مسجدا في ترعة المحمودية بالإسكندرية؛ بحجة أنها "مخالفة"، وقال عنها: "لما شوفنا ترعة المحمودية بالإسكندرية كان هناك مساجد قائمة، ولكنها مخالفة لشروط البناء، وقالوا إزاي تشيلوا جوامع ربنا، وأنا بقول وأنت إزاي تبني المساجد على أرض مش بتاعتك، ربنا غني عنك وعن أرضك كلها، يا تحط مظبوط يا متحطش!".
وأثناء الحديث عن مشروع " الصوب الزراعية"، قال قائد الانقلاب: "واللهِ النبي محمد- صلى الله عليه وسلم ما يرضى بكده، إنه يتوقف الطريق ويتوقف الكوبري عشان الناس فاهمة إن ده لا يليق، قلنا شوفوا مكان جديد، وإحنا نعمل مسجد جديد طبق الأصل".

وبعد تهديدات قائد الانقلاب، قام "محمد صفوت فودة"، وكيل مشيخة الطرق الصوفية بالإسكندرية، بعمل وصلة تطبيلية، تفوق فيها على مخبري أمن الدولة، في الإعلام الانقلابي، قال فيها: "لا يوجد كلام بعد كلام عبد الفتاح السيسى وعلينا تنفيذه.. الهدم"؟!
وصدق المولى عز وجل إذ يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)- البقرة.

ورداً على هدم المساجد بهذه الطريقة الانتقامية، قالت الناشطة القبطية د. هبة عادل، فى تدوينة لها: "حكومة السيسي تهدم مسجد الحمد، أكبر مسجد بالمحمودية، بيقولوا علشان هيعملوا طريق.. والسؤال: تقدر أو تستجري تهدم كنيسة أو دير أو حتى إبراشية؟!".
‎بالتأكيد لا يستطيع، لأن الكنيسة أصبحت دولة داخل الدولة، فلا تخضع الأديرة للتفتيش من قبل أجهزة الدولة، ولا مواردها المالية تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

وتستولي من حين لآخر على مساحات شاسعة من أراضي الدولة، وضمها إلى الأديرة، وكلما حاولت أجهزة الدولة إزالة هذه التعديات، يتم تصوير الأمر على أنه اضطهاد للمسيحيين، فيتم السكوت عن هذه الجرائم، في الوقت الذى تهدم فيه المساجد، التى يذكر فيها اسم الله بزعم أنها مخالفة، أو بنيت على أملاك الدولة!!

وهذا ما أكده الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه "قذائف الحق"، حيث قال: "إن لدى الأقباط ما يسمى بالدولة القبطية، وهي دولة مترامية الأطراف تبدأ بالاستيلاء على الأراضي بمساحات شاسعة، ثم تصبح ملكية خاصة لهم، وفيها يزرعون أجود أنواع الزراعات وينتجون أجود أنواع الخضر والفاكهة التي يتم تصديرها للخارج، وكذلك تكون لديهم مزارع كاملة للحيوانات، كل ذلك بحثا عن الاستقلالية وبهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، بشكل لا يجعلهم في حاجة إلى الدولة باعتبارهم دولة داخل الدولة.
لك الله يا مصر..