﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾[النساء: 10]
﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ*أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 49-50]

﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[النور: 51].

الإسلام دين ودولة ما فى ذلك شك:
ومعنى هذا التعبير بالقول الواضح أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية وكلت حمايتها ونشرها، والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة أى إلى الحاكم الذى يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم.

وإذا قصر الحاكم فى حماية هذه الأحكام لم يعد حاكما إسلاميا، وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هى الأخرى أمة إسلامية، مهما ادعت ذلك بلسانها، وإن من شرائط الحاكم المسلم أن يكون فى نفسه متمسكا بفرائض الإسلام بعيدا عن محارم الله غير مرتكب للكبائر، وهذا وحده لا يكفى فى اعتباره حاكما مسلما حتى تكون شرائع دولته ملزمة إياه بحماية أحكام الإسلام بين المسلمين، ملزمة إياه كذلك بتبليغها لغير المسلمين، وتحديد موقف الدولة منهم بناء على موقفهم هم من دعوة الإسلام.

هذا الكلام لا نقاش فيه ولا جدل، وهو ما تفرضه هذه الآيات المحكمة من كتاب الله، ولقد كانت آيات النور صريحة كل الصراحة واضحة كل الوضوح فى الرد على الذى يتهربون من الحكم بما أنزل الله وإخراجهم من زمرة المؤمنين فالله تبارك وتعالى يقول فيهم: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ*وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ*وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ*إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[النور: 47-51] كما جاءت آيات المائدة تصف المهملين لأحكام الله بالكفر والظلم والفسق فتقول ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون- الظالمون- الفاسقون﴾ ثم تقول ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 50].

ولا يكفى فى تحقيق الحكم بما أنزل الله أن تعلن الدولة فى دستورها أنها دولة مسلمة، وأن دينها الرسمى الإسلام أو أن تحكم بأحكام الله فى الأحوال الشخصية وتحكم بما يصطدم بأحكام الله فى الدماء والأموال والأعراض، أو يقول رجال الحكم فيها: إنهم مسلمون سواء أكانت أعمالهم الشخصية توافق هذا القول أم تخالفه.

لا يكفى هذا بحال ولكن المقصود بحكم الله فى الدولة أن تكون دولة دعوة، وأن يستغرق هذا الشعور الحاكمين مهما علت درجاتهم والمحكومين مهما تنوعت أعمالهم، وأن يكون هذا المظهر صبغة ثابتة للدولة توصف بها بين الناس، وتعرف بها فى المجامع الدولية، وتصدر عنها فى كل التصرفات، وترتبط بمقتضياتها فى القول والعمل.

فى العالم دولة اسمها الاتحاد السوفيتى لها مبدأ معروف ولون معروف ومذهب معروف نحن لا نأخذ به ولا ندعو إليه، ولكنا نقول: إن هذه الدولة عرفت بلونها هذا بين الناس وفى المجامع الدولية، وهى ترتبط بمقتضياته فى كل تصرفاتها وأقوالها وأعمالها، وقد أرادت إنجلترا وأمريكا تقليدها فادعتا أنها تصطبغان بالدعوة إلى شىء اسمه الديمقراطية وإن اختلف مدلوله بمختلف المصالح والمطامع والظروف والحوادث.

فلماذا لا تكون مصر وهى دولة مستقلة ذات سيادة معروفة فى المجامع الدولية بتمسكها بهذه الصبغة الإسلامية وحرصها عليها ودعوتها فيها وارتباطها بها فى كل قول أو عمل. ذلك هو أساس الحكم بما أنزل الله ومتى وجد هذا المعنى وارتبطت الدولة بهذا الاعتبار واصطبغت بهذه الصبغة فستكون النتيجة ولاشك تمسك الحاكمين بفرائض الإسلام واتصافهم بآدابه وكمالاته ثم صدور كل التشريعات وخضوع كل النظم الاجتماعية فى الدولة لتوجيهاته وأحكامه فيتحقق حكم الله فرديا واجتماعيا ودوليا وهو المطلوب.

أين نحن من هذا كله؟
الحق أننا لسنا منه فى شىء وكل حظنا منه نص المادة 149 من الدستور، ثم ما بقى فى نفوس هذا الشعب من مشاعر وعواطف وتقدير وأعمال وعبادات أما الحكومة والدولة ففى واد وحكم الله فى واد آخر.

يا دولة رئيس الحكومة، أنت المسئول بالأصالة.
ويا معالى وزير العدل، أنت المسئول بالاختصاص.
ويا نواب الأمة وشيوخها، أنتم المسئولون باسم الشعب.
ويا فضيلة شيخ الأزهر وأصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء، أنتم المسئولون باسم أمانة العلم والتبليغ التى أخذ الله عليكم ميثاقها.
ويا أيتها الأمة. أنت المسئولة عن الرضا بهذا الخروج عن حكم الله لأنك مصدر السلطات.
ففاصلى حكامك، وألزميهم النزول على حكم الله، وخوضى معهم معركة المصحف ولك النصر بإذن الله.
------
المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (627)، السنة الثالثة، 7 رجب 1367ه/16 مايو 1948م، ص(3، 5).