"غياب الزوج، أو مرض الأبناء، أو الفقر، أو المشكلات العائلية مع الآخرين، أو البعد عن الأهل والديار.." ابتلاءات تتعرض لها الأسرة وخاصة في المجتمعات التي تواجه أنظمة مستبدة تعمل على التفريق بين الرجل وزوجه، إذ تجرعت القلوب المؤمنة الابتلاءات، فلم يترك الابتلاء بابا إلا ودق عليه، فهذه سنة الرسل والأنبياء والصحابة والتابعين، إذ قال سبحانه: "أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين".

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة"، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس بلاء؟ قال  أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" أخرجه الإمام أحمد وغيره.

وتختلف ردود الأفعال من كل أسرة تجاه ما تبتلى به، فبعضها ينكسر، وربما تسبب بلاؤها في تفرقها وتشرذمها، أو في انحراف بعض أفرادها – وغالبا ما يقع هذا على الأبناء -، وربما كان بلاؤها سببا في ثباتها وصمودها ونجاحها وإنجازها، وتقدم أفرادها على المستوى الإيماني بل والمستوى الحياتي ايضا.

ووفقا لمراقبين فإن تلك الابتلاءات هي مجرد عواصف تهز الأسرة فتأخذ وقتها ولا بد أن تهدأ او تنجلي، فإذا كانت القلوب ضعيفة فقد تكون عرضه وصيدا ثمينا أمام الشيطان، وإن كانت القلوب قوية كان الثبات وصفها وحالها وكان القرب إلى الله سبيلها. ووجه بعض المستشاريين التربويين بعض النصائح للتعامل مع البلاء لكي تؤجر الأسر المبتلاة، ومنها:

الصبر.. فلا تجزع، بل تثبت، وتحتسب أجرها عند الله، فهذه الشدائد تبين دور الزوجة الصالحة من غيرها، وتظهر عن معدنها النبيل، واصلها الطيب الصادق، فالله تعالى يحب ويبشر الصابرين، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من وفقه الله، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي ابنا لها على قبره، فقال لها: "اتق الله واصبري" أخرجه مسلم، ولما أرسلت ابنته زينب له صلى الله عليه وسلم أن ابنها يحتضر قال لها: "إن لله ما أخذ وله ماأعطى وكل شىء عنده إلى أجل مسمى فاتق الله واصبري" أخرجه البخاري.

وقرين الصبر الاحتساب
وإيكال أمرها لربها، وذلك عندما تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" رواه البخاري. وفي هذا تكفير للذنوب ومحو للسيئات ورفع للدرجات ونيل المنزلة في الآخرة. فالصبر والاحتساب هو ما يهون البلاء.

الرضا بقضاء الله سبحانه
إذ نصح النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي ذكرنا أنها فقدت ابنا لها فقال لها: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، إنه الرضا الذي يجعل عندها القليل كثير، فكلما اشتد ضيقها حمدت الله بقلب راض، حينئذ تشعر بالراحة وسعة الصدر والتفاؤل فإنها تعلم أن ا عند الله خير، يقول صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".

الإيجابية
وعدم الاستسلام للانكسار، أو الركون للقعود، أو انتظار الهموم، فهنا تظهر حقيقة المرأة الصالحة في الصعاب والأزمات فلا تجلس تنوح وتبكي حظها، ولا يأخذها القلق، ولا تستبد بها الرجفة، ولا يلفها القنوط، ولا يحاصرها الحزن مهما شعرت به، ولكن يكون تفاعلها مع الأزمة هو التفاعل الإيجابي، تفاعل يدفعها ويحركها نحو فضائل الأعمال وفضائل المواقف، تفاعل لا يجمد أعضاءها بل تستقبل البلاء بإيجابية الثبات، وتقوم بدورها على أكمل وجه وأفضل ما ينبغي.
وربما كان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الزوجة إشارة إلى ذلك، إذ يقول: "إذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه".

ولننصح المرأة ههنا عند الأزمات ان تبدي الصلابة في المواقف، وأن تزيد أكثر وأكثر من وقارها في بيتها ومن حشمتها، ومن انكبابها على أسرتها، وألا تفتح مجالا للغرباء أيا كانوا، وأن تستر حالها وحال بيتها مهما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

تربية أبنائها
فليس فقط مطلوبا منها أن تكون صالحة في نفسها بينما هي تهمل دورها المنوط بها، بل أيضا ينبغي عليها في الأزمات خصوصا أن تكون صالحة مصلحة، تلك التي تقف وتصمد أمام الرياح، وتواجه كل العقبات، وتقف وقفة شامخة تربي أبناءها التربية التي ترضى الله تعالى وتجد ثمرة هذه التربية في صلاح ابنائها، وتميزهم عن غيرهم، وذلك بتوفيق الله تعالى لها لأنها استمدت العون من الله تعالى حينما اتجهت لرعاية ابنائها فهو سبحانه يتولى الصالحين.

توطيد الصلة بالله
فإذا اشتد الضيق ضيقا والهم هما والحزن حزنا، فالخروج من كل ذلك هو بفرارها إلى الله تعالى، ذلك الذي يخفف عنها الكثير ولا يشعرها بالتعب مهما كانت مدته.
وتتسم المرأة الصالحة عند نزول البلاء بها بعدم الشكوى إلا لله تعالى، فالمشاكل قد تزداد عليها الواحدة بعد الأخرى والأعباء تتزايد.

القدوة
لن تنجح المرأة في المهمة التي تنتظرها إلا إذا اصبحت قدوة لأبنائها، وكلما ارتقت في عيونهم كان التقلييد، فأفلحت التربية، كما تكون قدوة لأهل بيتها وجيرانها وأقاربها، والقدوة ليست بكلام يقال و بل بعمل يقدم وصورة منيرة ساطعة فتتبع...
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أنه لابد أن يمتحن النفوس ويبتليها، فيظهر بالامتحان طيبها وخبيثها، ومن يصلح لموالاته وكرامته ومن لا يصلح، وليمحص النفوس التي تصلح له، ويخلصها بكير الامتحان كالذهب الذي لا يخلص ولا يصفو من غشه إلا بالامتحان، إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة، فقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية، فإذا خرج في هذا الدار وإلا ففي كير جهنم، فإذا هذب العبد ونقي أذن له في دخول الجنة"، وسنة الله الجارية لامتحان القلوب وتمحيص الصفوف، قال تعالى "ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين".