أعنى بالاستيعاب قدرة الدعاة على اجتذاب الناس وربحهم على اختلاف عقولهم وأمزجتهم وطبقاتهم وثقافاتهم إلخ...
فالناس يختلفون اختلافا نوعيًا في كل شئ.. في نمط التفكير في مستوى العيش في مركب المزاج في معيار الذكاء وفي كافة القدرات الحسية والنفسية..
والداعية الناجح هو القادر على الإيغال والتأثير بدعوته وفكرته في الناس كل الناس على اختلاف مشاربهم وطبائعهم ومستوياتهم وعلى اجتذاب مساحة كبرى من الجماهير واستيعابها فكريًا وحركيًا.
وبذلك يكون الاستيعاب قدرة شخصية ومؤهلة خلية وصفة إيمانية ومنة ربانية تساعد الدعاة وتجعلهم منارات هدى في مجتمعاتهم وأقطاب رحى في مواطنهم يستقطبون الناس ويلتف من حولهم الناس..
والحقيقة.. إن القدرة على الاستيعاب تعتبر المؤهل الأول والأهم في شخصية الداعية.. وبدونها لا يكون داعية ولا تكون دعوة..

تفاوت القدرة على الاستيعاب
والذي لا شك فيه أن الدعاة كبقية الناس يتفاوتون في قدراتهم على الاستيعاب.. ولكن الذي لابد منه كذلك أن يتمتع كل داعية بحد أدنى من القدرة على الاستيعاب لأنه بغيرها لا يكون داعية أو عاملًا في إطار الدعوة...
إن عدم توفر الحد الأدنى من القدرة على الاستيعاب قد لا تجعل الداعية عقيم الإنتاج عديم الفائدة فحسب بل قد تجعله مسيئًا للإنتاج مسببًا الضرر للإسلام والحركة على حد سواء...
فكم من أناس اعتبروا دعاة أو عاملين في الحقل الإسلامي أضروا ولم ينفعوا وهدموا ولم يبنوا ونفروا ولم يبشروا وكانوا حجة على الدعوة بين أبنائها وأعدائها..
وكم من آخرين عاشوا في أجواء الدعوة ونهلوا من مبادئها ولكن دون أن ينقلوا أجواءها ومبادئها خطوة واحدة خارج إطارها.
وهناك آخرون كانوا في الدعوة وكانت بهم الدعوة وعاشوا فيها وعاشت بهم.. أولئك هم الدعاة حقًا وأولئك هم رجالها والذين يحتاج الإسلام إليهم وإلى أمثالهم لرفع رايته وبناء دولته وإقامة حجته على العالمين..

وتفاوت القدرة على الاستيعاب في الناس كتفاوت القدرة على ذلك الآنية فهناك إناء واحد يمكن أن يستوعب مالا تستوعبه مئات الآنية الأخرى كما أن هنالك داعية يمكن أن يستوعب من الناس ما لا يقدر على استيعابه مئات العاملين في الحقل الإسلامي..

ففي معرض الإشارة النبوية إلى تفاوت أثر العلماء مثلًا في استيعاب الناس روى معاذ بن جبل رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه وبذله لأهله قربة..
لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة قائمة تقتص آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهي إلى رأيهم.. ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة.." الحديث.

وفي حديث آخر رواه أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
-------
بقلم الداعية فتحي يكن "رحمه الله" في كتابه (الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية)