قال لى صديق مشفق: يظهر أنك مبهور بأخلاق النظافة والنظام والإجادة التي تسود مجتمعات أخرى لا تؤمن بالإسلام هوّن عليك، فإن وراء هذا التقدم ضياعًا رهيبًا للعفة، وانحلالا جنسيًا موغلا في السقوط.
وأمتنا والحمد لله بعيدة عن هذه الآفات، ولا تزال بعيدة عن الفحشاء والمنكر.

أجبت: اسمع يا صديقي، إنني مسلم أشكر ربي أن عرفني به، وأن جعلني من أتباع نبيه الخاتم، ونعمة الإسلام لا ترجحها نعمة أبدًا.
والفلاح الساذج الذى يقف بين يدي ربه صباحًا ومساء يقول له: الحمد لله رب العالمين هو أرقى إنسانية- في نظري- من غازٍ للفضاء قلبه خال من الله، ولكنني تعلمت من قرآني، وسيرة رسولي أن أحترم الحق وأحتفي به وحده.

تقول: إن المدنية الحديثة غارقة في الآثام الجنسية وهذا شين في وجهها.
وأقول: هذاواقع ما يدفع عنه عاقل، والانطلاق المادي الجامح داء أهلك مدنيات قديمة، وقد يبيد هذه المدنية أيضًا: (ألمْ نُهْلك الأولين؟ ثمَّ نتبعهمُ الآخرين كذلك نفْعلُ بالمجرمين ويلٌ يؤمئذٍ للمكذِّبين) (المرسلات: 16-19).
إن رذائل الجنس شاعت بين غيرنا، وهذا يذكرنا بقانون تربوي تعلمناه ونحن طلاب، مؤداه أن معاصي القلوب أخطر من معاصي الجوارح، وأخشي أن يكون ما ينتشر بيننا وبين غيرنا من عوج خاضع لهذا القانون!!

قال صديقي: لا أفهم ما تعنى؟
قلت : تذكر حرب 1967 التي خسر العرب فيها القدس وسيناء والجولان والضفة الغربية في حرب لم تدم إلا بضع ساعات؟
قال: أذكر هذه الحرب الفاجعة، ولاأنسى مصابنا فيها..
قلت: لو أن الذي قاد هذه الحرب أحد الخواجات لآثر أن يطلق على دماغه الرصاص واستحى أن يقابل أمته بهذا العار.. لكن قائد الهزيمة عندنا عاد إلى قواعده سالمًا ليكافئ من يقول له: الحمد لله على سلامتك، وليطارد من يقول له: كيف ألحقت بنا هذه الفضيحة.
إن أوروبا وأمريكا التي يشيع فيها الانحراف الحيواني، لا تقبل ولا يمكن أن تقبل أن يقع فيها هذا الانحراف الإنساني، هذا هو الفرق بين الرذيلة عندنا وعندهم.

قال صديقي: مرة أخرى أكرر أنني لا أفهم ما تعني؟
قلت: إن الأكل من الشجرة المحرمة كما فعل آدم معصية دون التكبر على الله، كما فعل إبليس! معصية الإرادة المنهارة أمام شهوة الأكل دون معصية الأنانية المستعلية على الآخرين، ولست أهوّن من معاصي ولكني أقبح معاصي القلوب! وأكشف مبلغ الدمامة في وجهها.. إن الكبر والحسد والافتخار بالنفس أو النسب أو المال، وحب الخلاف وحب الظهور وحب السمعة، والرغبة في التسلط والرغبة في هضم أولي الكفاية، إن هذه الرذائل أشنع من ترك العنان للغريزة الجنسية تنطلق على النحو السيء الموجود في ظل المدنية الحديثة، ومن هنا فإن خصومنا لن يضاروا كثيرًا أو على عجل من عللهم، كما نضار نحن المسلمين من آفات الرياء والكبرياء المبعثرة في كل ناحية.

إن الإسلام- بداهة- عافية سابغة من أنواع العلل التي تستهلك النفوس والمجتمعات وهو يحارب صنوف المعاصي ويحصن أبناءه ضدها.
وهو يرمق الحضارات ليرى أولا مبلغ معرفتها بالله وتوحيدها لذاته- تبارك اسمه- على أن القيادة الإسلامية للعالم-كما عرفت قديمًا- كانت تصدر قيمًا نفسية، وتقاليد سمحة رائعة، ومناهج إنسانية جديرة بالاحترام كله.
أي أن الارتقاء العقلي والخلفي لدى المسلمين كان الرصيد الذي ينفق منه الدعاة، والسياج الذي به يحتمون.
وإنها لجريمة قتل عمد أن ننتمي إلى الإسلام، ثم لا نحسن فهمه، ولا عرضه، ولا العمل به، ولا الدفاع عنه!
والقدر لا يترك هذه الجرائم دون قصاص، فهل نحسن العمل قبل أن نؤخذ بجريرتنا؟
-------
من كتاب "هموم داعية"