بقلم د. رشاد لاشين
النوم يمثل ركنًا ركينًا من حياة الطفولة، ومعلمًا أساسيًّا لا يمكن تجاوزه؛ لذا وجب على كل متعامل مع الطفل في عاميه الأولين أن يتعرف جيدًا على أنماط النوم وتطوره، وبالتالي كيفية توظيف تلك المعلومات لرعاية جيدة للطفل في هذه الفترة الحرجة.
أولاً: عوامل التحكم في طريقة نوم الطفل:
- طريقة نوم الطفل، يتحكم فيها عاملان:
- العامل الأول: الطبيعة التكوينية للطفل؛ فكل طفل له طبيعته الخاصة، وفطرته التي فطره الله عليها، طبقًا لجيناته الوراثية، وكذلك السن الذي يستقرُّ في النوم؛ يختلف من طفل لآخر، وطريقة الدخول في النوم، والاستمرار فيه؛ تختلف من طفل لآخر، فهناك نسبة من الأطفال يجدون صعوبة في الدخول إلى النوم، ونسبة أخرى يخلدون إلى النوم بسهولة؛ لكنهم يستيقظون بعد ذلك يبكون ولا يستطيعون الاستمرار في النوم، وهناك أطفال آخرون يجدون صعوبةً في الأمرين معًا في الدخول في النوم وفي الاستمرار فيه.
- العامل الثاني: البيئة التي ينشأ فيها الطفل والعادات التي يعوِّده عليها الوالدان.
ثانيًا: مراحل تطور النوم:
الثلاثة الأشهر الأولى: (مرحلة الاضطراب وعدم الاستقرار) في هذه الفترة لا يكون نوم الأطفال مستقرًا؛ فيستيقظون كل 3- 4 ساعات، وفي بعض الأطفال تنقلب دورة النوم واليقظة في الأشهر الثلاثة الأولى؛ فيجعلون الليل نهارًا والنهار ليلاً، وهناك أطفال يُمضون معظم يومهم نيامًا، ولا يستيقظون إلا من أجل الرضاعة وتغيير الحفاضة؛ في الغالب يبدأ نوم الأطفال في الاستقرار والانتظام بعمر من 10- 12 أسبوعًا.
- في هذه الفترة يعاني الأطفال كثيرًا من المغص الذي قد يكون من النوع العنيف، أحيانًا، وقد لا تجدي معه وسائل وعلاجات التهدئة.
- محاولات تغيير نمط نوم الطفل في هذه الفترة لا تجدي، بل تعتبر نوعًا من العبث؛ لأنه سوف ينظِّم أوقات نومه ويقظته بمفرده بعد ذلك.
- من المفضَّل أن تحرص الأم على تنظيم أوقات نومها، حسب أوقات نوم الطفل، حتى تستثمر طاقتها وجهدها بشكل جيد.
- يفضَّل ألا نحرص على توفير الهدوء التام في هذه الفترة، بل نحرص فقط على تجنب الأصوات الصاخبة العالية، أو غلق الأبواب بشدة؛ وذلك لأن الطفل الذي نعوده على النوم في هدوء تام، في هذه الفترة يصعب عليه النوم بعد ذلك في أقل ضوضاء.
- يكون نصف وقت نوم الطفل في هذه الفترة من النوم الخفيف المضطرب، ويجب التفريق بين حالات استيقاظ الطفل وبين حالات النوم الخفيف المضطرب؛ حتى لا نسارع بحمله وإيقاظه ظنًّا منا أنه متيقظ؛ حيث في فترة النوم الخفيف المضطرب تكون للطفل بعض الحركات والعلامات التي ترتسم على وجهه؛ سواء بالابتسام أو الامتعاض أو النهجان والتنفس السريع، وحتى قد يبكي في هذه الفترة؛ لذا يجب ألا نسارع بحمله إلا إذا تأكدنا من تمام يقظته.
- الفترة من ثلاثة إلى ستة أشهر:
(مرحلة التدريب على عادات النوم) يعي الأطفال الرضع في عمر الثلاثة الأشهر مفهوم الليل والنهار، فيميزون بين العتمة والضوء، وبين هدوء الليل وصخب النهار، وبين الحركة في النهار والسكون في الليل.
- في هذه المرحلة يبدأ نوم أغلب الأطفال في الاستقرار؛ فيظلون مستيقظين لأطول مدة أثناء النهار، وقد ينام بعضهم لمدة خمس ساعات في الليل، وقد يستيقظ الطفل دون بكاء، ثم يعود للنوم وحده مرة أخرى إذا استيقظ قبل موعده.
- في هذه الفترة تزداد فترة النوم العميق طولاً؛ وتقلُّ الفترات التي يكون فيها الطفل عرضة للاستيقاظ ليلاً، ولا بد أن نتوقع أن يستيقظ الطفل خلال الليل مرة أو مرتين.
- في خلال تلك الفترة يصبح الطفل بإمكانه أن يبدأ الدخول في مرحلة النوم العميق بسرعة أكبر، وهذا ما يسمى بـ(النضج النومي)، والسبب في استقرار نوم الطفل في هذه المرحلة؛ هو نمو قدرة الطفل على التكيف، بالإضافة إلى قلة الشعور بالمغص وآلام البطن.
- يستجيب الطفل في هذه المرحلة للتدريب على عادات النوم؛ ولكن قد تؤثِّر بعض المنغصات كالمرض أو تغير البيئة على نوم الطفل، ولكن تعود الطفل على عادات نوم صحيحة يساعده على تخطي تلك الأزمات.
النصف الثاني من العام الأول:
- يزداد نضج أنماط النوم عند الأطفال؛ ليبلغوا أنماط نوم البالغين في النصف الثاني من عامهم الأول.
- يخفُّ نوم الأطفال في الصباح أو يزول؛ ولكنهم في الغالب ينامون بعد الظهر فترة وجيزة، أو فترتين، تتراوح مدة النوم فيهما بين عشرين دقيقة إلى ثلاث ساعات.
- الكثير من الأطفال يظلّون يستيقظون من الليل، والسبب في استيقاظ الأطفال من الليل في هذه الفترة؛ هو ما يعتريهم من منغصات مثل آلام التسنين ونزلات البرد وغيرها التي تتكرر كثيرًا، وكذلك لأن مخ الطفل أثناء النوم يجري عمليات تنظيم وترتيب وتخزين لمهارات النمو التي وصل إليها الطفل؛ مثل الجلوس والزحف والمشي، وتدفع هذه العمليات الطفل الرضيع إلى "مزاولة" تلك المهارات الجديدة في نومه؛ فيسبب له بعض اضطرابات النوم ليلاً.
- تزداد قدرة الطفل على التنبه في هذه الفترة؛ فعند بلوغ الطفل الستة الأشهر، لم يعد شرطًا أن ينام بعد كل وجبة كما كان في السابق. كما يلاحظ على الطفل في حالة وجود ما ينبهه؛ فإنه رغم تعبه قد يجاهد نفسه ليبقى مستيقظًا بعد أن كان يستسلم للنوم عند حاجته إليه قبل ذلك.
العام الثاني:
بعد أن يبدأ الطفل في التمكن من النوم خلال المنغصات السابقة؛ تنشأ بين العام الأول والعام الثاني أسباب أخرى، تدفع الصغير إلى التنبه من نومه ليلاً؛ مثل القلق الذي يصيبه من جرَّاء بعده عن حضن الأم، والكوابيس التي قد يراها في منامه.
ولا تتطور عادة النوم عند كثير من الأطفال تطورًا يجعلهم ينامون الليل بطوله، قبل أن يبلغوا من العمر ما بين عام ونصف وعامين، ففي هذه السن يختفي معظم ما يسمى بـ"مشاكل النوم".
.... نعم فالطفل بطبيعته يقضي جزءًا كبيرًا من وقته في النوم، ولما كان عدم تقديم الرعاية الجيدة لنوم الصغار يؤدِّي إلى كثير من المشكلات التي تنعكس على الوالدين وعلى الطفل نفسه؛ لذا فمن حق الطفل علينا أن نتعرف على معالم وطريقة وأنماط نومه، حتى نقوم بواجب رعايته على الوجه الصحيح.