بقلم: د. رشاد لاشين
مرض الحصبة الألمانية من الأمراض الواجب التعرف عليها لكل مقبلٍ على الإنجاب؛ لتأثيره على مستقبل الجنين، حيث إنَّ أعراضه قد تمرُّ دون ملاحظةٍ بالنسبةِ للأم، ولكن تأثيره قد يكون مدمرًا بالنسبة للجنين والوقاية منه سهلة عن طريق التطعيمات والإجراءات السلوكية الاحتياطية التي لا يتمكن من القيام بها إلا مَن يعرف طبيعة المرض وأعراضه، وفيما يلي نُقدم عرضًا مبسطاً وسهلاً للمرض؛ أرجوك لا تحجم استمر وتعرف للضرورة؛ لأنه من الواجب علينا تحصيل العلم لنهضة الأمة:
* كيفية حدوث الإصابة بالحصبة الألمانية (German measles) (1)
 
تنتقل العدوى بواسطة فيروس الحصبة الألمانية عن طريق الرذاذ المتطاير من فم المريض أثناء الكحة أو العطاس، وفي حالة الجنين تنتقل إليه العدوى عن طريق المشيمة من أمه المصابة، ويستغرق هذا الفيروس فترة حضانة من 14 - 21 يومًا قبل إحداث المرض.
* أعراض المرض
 
تتلخص أعراض هذا المرض في الآتي:
 
- تضخم بالغدد الليمفاوية (خاصةً التي في مؤخرة الرأس+ طفح جلدي+ ارتفاع طفيف في الحرارة)
- يبدأ تضخم الغدد الليمفاوية قبل الطفح الجلدي بيومٍ واحدٍ وهو من العلامات المميزة لهذا المرض؛ حيث إنه يصيب الغدد التي في مؤخرة الرأس والتي خلف الأذنين.
- في اليوم التالي يظهر الطفح الجلدي الذي يبدأ بالأشداق، وقد يكون مصحوبًا بارتفاع طفيف في درجة الحرارة لا يزيد بأي حال من الأحوال عن 38.4 ◦م.
- لا يستمر ارتفاع الحرارة إن وجد ولا الطفح الجلدي أكثر من ثلاثة أيام؛ حيث ينتشر الطفح من الوجه إلى باقي الجسم ويختفي بسرعة خلال تلك الفترة؛ لذلك يسمى هذا المرض أحيانًا حصبة الأيام الثلاثة، أما تضخم الغدد فقد يستمر لمدة من 7 - 10 أيام.
* هل يمكن أن يحدث المرض دونما ظهور أعراض؟
 
هذا النوع من الحصبة في مجمله أخفُّ في الشدةِ والمدة من الحصبة العادية؛ حيث قد يمر دون ملاحظة، وأحيانًا تلتقط الأم العدوى بهذا الفيروس دون أن يظهر عليها أي عرضٍ أو أي أثرٍ، وقد سجَّلت الأبحاث الطبية أن الحالاتِ التي لا يظهر عليها أعراض ضِعف الحالات التي يظهر عليها أعراض، وهذا مكمن الخطر إذ قد تكون المرأة حاملاً وتلتقط الفيروس ويصل إلى جنينها ويفتك به دونما تدري.
* هل يمكن أن تتكرر الإصابة بالحصبة الألمانية؟
---------------------------------------------------------
الإصابة بالحصبة الألمانية يؤدي إلى تكوين مناعة مستديمة ضد هذا المرض تستمر مدى الحياة؛ لذلك تكون الإصابة به مرة واحدة في العمر إن كان:
* إصابة الجنين بالحصبة الألمانية:
-----------------------------------------
عند إصابة الجنين بالحصبة الألمانية ينتشر الفيروس في الدم، وقد يكون من مضاعفاتِ ذلك إصابة المشيمة، وبالتالي انتقال العدوى إلى الجنين وقد وجد أن نسبة حدوث ذلك تتراوح بين:
• 47% إذا حدثت العدوى خلال الأسابيع الأربعة الأولى من الحمل.
• 22% خلال الفترة من 5 - 8 أسابيع.
• 7% خلال الفترة من 9 - 12 أسبوعًا.
• 6% خلال الفترة من 13 - 16 أسبوعًا.
ثم بعد ذلك يصبح الجنين في الأغلب في مأمن من خطر الإصابة بالحصبة الألمانية.
- أما عن درجة الإصابة فإنها تختلف باختلاف الأجنة وباختلاف توقيت الإصابة أثناء الحمل ولا يمكن التنبؤ بنتائجها في كل حالة على حدة إلا أن ناتج الإصابة قد يكون أحد هذه الاحتمالات:
(1) موت الجنين (2) تشوه الجنين (3) نجاة الجنين
* في حالة حدوث التشوهات تكون أشد المخاطر المحتملة هي:
1. العمى 2. الصم 3. تشوهات القلب 4. التخلف العقلي
وكذلك ثبت حديثًا أنها تحدث تشوهات بالأسنان والأوعية الدموية وتؤدي إلى تأخُّر النمو داخل الرحم.
• علمًا بأن تشوهات العين تحدث إذا كانت العدوى خلال الأسابيع الستة الأولى من الحمل بينما تشوهات القلب تحدث إذا كانت العدوى في الفترة من (5 - 10) أسابيع والصمم يسبب العدوى خلال الأسبوع التاسع وتشوهات الأسنان في الفترة من (6 - 9) أسابيع، بينما تشوهات الجهاز العصبي في بداية الثلث الثاني من الحمل.
• بعض التشوهات السابقة قد لا تُكتشف بعد الولادة مباشرة مثل تشوهات الأسنان والتخلف العقلي والصمم التي قد يتأخر اكتشافها حتى عمر من 2 - 4 سنوات.
* ماذا تفعل المرأة المتزوجة عند ظهور حالات مصابة بالحصبة الألمانية في المجتمع؟
(1) المرأة غير الحامل والتي ترغب في الحمل:
أ. إذا كانت قد أصيبت بالحصبة الألمانية من قبل أو تلقت التطعيم الخاص بها: فلا توجد مشكلة وعليها أن تقدم على الحمل إن أرادت.
ب. إذا لم تكن قد أُصيبت أو حصنت من قبل: فيجب عمل اختبارٍ لتحديد مستوى مناعتها ضد هذا المرض؛ لأنه من الممكن أن تكون قد أصيبت من قبل بإصابةٍ غير ظاهرة الأعراض وجسمها يحمل مناعة ضد هذا المرض وهي لا تعرف.
ويكون الاختبار عن طريق أخذ عينة من الدم وفحصها في المعمل بواسطة اختبار يسمى:( H . I . Test for German measles ) (2):
1. إذا كانت تحمل مناعة ضد المرض: عليها أن تمضي في طريقها إلى الحمل.
2. إذا كانت لا تحمل مناعة ضد المرض: إذًا هي عرضة لالتقاط العدوى، وبالتالي يجب تأجيل الحمل لحين أخذ التطعيم والانتظار بعده لمدة ثلاثة أشهر.
في حالة عدم توفر التطعيم يجب تأجيل الحمل حتى ينتهي الوباء المنتشر.
(2) إذا كانت المرأة حاملاً وفي خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأولى:
يجب أن نسير كما سبق في: أ ، ب
1. إذا كانت تحمل مناعة: يجب أن نُطمئنها وتستمر في حملها.
2. إذا كانت لا تحمل مناعة: يجب أن نقوم بالآتي :
أ . نعطيها حقنة المناعة الجاهزة (3) التي تتكون من أجسام مضادة لتقوي مناعة الجسم (هذه الحقنة تعطي مناعة سريعة ومؤقتة).
ب. يجب تكرار اختبار الكشف عن الجسام المضادة في الدم فإذا كانت تزداد فإن ذلك يدل على وجود عدوى نشطة، وبالتالي هناك احتمالية لتعرض الجنين للخطر وعند ذلك تنصح بعض الدوائر الطبية بعمل الإجهاض الطبي القسري، والأمر بالطبع يحتاج إلى الفتوى بعد التشاور الناضج بين الأطباء والفقهاء (وبإذن الله سنعرض ذلك فيما بعد تحت عنوان: قضايا الفقه الطبي التي تتعلق بالجنين: ومنها موضوع الإجهاض).
* نقاط مهمة يجب أن نقررها:
 
1. فترة العدوى بالمرض: تبدأ 5 أيام قبل + 5 أيام بعد اليوم الأول لظهور الطفح الجلدي، أما الطفل المولود وهو يحمل فيروس الحصبة الألمانية من الرحم فيظل مصدر للعدوى لمدة سنة كاملة أو يزيد لذلك يمثل الاحتكاك به خطرًا على المجتمع.
2. يجب أن تنأى المرأة الحامل بنفسها عن التعرُّض للمصابين بالحصبة الألمانية سواء كانت قد أُصيبت من قبل أم حصنت وبإمكانها الحصول على إجازة إذا كانت تعمل بمدرسة أو بمكان توجد به حالات مصابة.
3. حوالي 80% من الإناث في عمر الإنجاب يمتلكن مناعة ضد الحصبة الألمانية إما بالتقاط المرض بشكل ظاهر أو غير ظاهر أو بالتحصين.
4. يقل خطر تشوه الجنين بعد الأسبوع الثاني عشر من الحمل.
* الوقاية من المرض:
 
تكون الوقاية بأخذ الطعم الخاص بالحصبة الألمانية ويجب أن يعطى كالتالي:
- أولاً للإناث والذكور :
 
- جرعة عند سن 12 - 15 شهرًا
- جرعة عند سن ( 4 - 6 سنوات ) أو ( 11 - 12 سنة )
- بعد البلوغ: يعطي للسيدات غير الحوامل مع مراعاة تأجيل الحمل لمدة شهرين بعد التطعيم كإجراء وقائي لحماية الجنين.
- يوجد هذا الطعم منفردًا: طعم ضد الحصبة الألمانية فقط أو متحدًا مع طعم الحصبة المعتادة والتهاب الغدة النكافية وهذا الطعم يعرف بـ (MMR) ويُسمَّى ثلاثي الحصبة، وفي الحقيقة فإن هذا الطعم المشترك في غاية الأهمية لعملية الإنجاب؛ وذلك للوقاية من الحصبة الألمانية بمخاطرها التي عرفناها وكذلك الوقاية من الحصبة المعتادة التي قد تؤدي إصابة المرأة بها أثناء الحمل إلى موت الجنين وكذلك الوقاية من التهابات الغدة النكافية التي قد يكون من مضاعفات الإصابة بها ضعف الإنجاب عند الذكور إذا حدث التهاب بالخصيتين حيث يؤدي إلى حدوث عقم مؤقت بنسبة 13% من الحالات المصابة، لكن العقم المطلق احتمالية نادرة.