يا خجلة الشباب..

عمار بن ياسر الذي بلغ التسعين من عمره يسمع المنادي ينادي: يا خيل الله اركبي، فإذا به يجمع لأمَتَه ويلبس عدة الحرب وهو ابن التسعين؛ لأن أرض المسلمين غزاها مجرم من المجرمين، فيقول له أصحابه: نكفيك ذلك، فيقول وهو يبكي: وهل أبقت لنا آية النفير جنبًا ننام عليه؟

إخوتي الدعاة.. لئن حُرمنا نفرة الجهاد الآن فإنا لم نُحرَم نفرة الدعوة؟ فهل سيكون دفء فراشكم حُجة عليكم بين يدي ربكم؟ اهجروا الرقاد، وآثروا البذل، وعدِّلوا همومكم لتكون فرحتكم الكبرى برؤية قلبٍ يتفتح على أيديكم.

إخوتاه.. أترجو الأمة نجاتها فتُغرقوها؟ والله لن تفتح أبواب القدس إلا إذا فتحتم القلوب وغزوتم الأرواح وحطمتم أوثان الشهوة وأزحتم الغفلة.

حسنات ما أحلاها

كان بعض العارفين يقول: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف"، وقال آخر: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره"، وهذه كلها مظاهر عجيبة عند من لم يذق حلاوة الطاعات ولم يعرف الأُنس بالله، فهلا أذقنا شبابنا حلاوةَ القيام بين يدي الله ولذة السجود والاعتراف بالتقصير بين يديه، وراحة البال بإلقاء الهموم على أعتابه، وانشراح الصدر بتلاوة كتابه, هلا علّمنا الشباب أن يجرب مرة واحدة ولن يخسر.

ولا بأس بنقل تجربة ابن القيم لهم لعلهم بها يهتدون قال- رحمه الله-: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمَّل الله سبحانه وتعالى حوائجه كلها، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته, وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته".

واسوأتاه وإن عفوت

صيحةٌ صاح بها الفضيل بن عياض معربًا بها عن استشعار حياته وخجله من الله وإن عفا وسامح وتجاوز وغفر، وليس هناك أجمع لآثار الذنوب ولا أشمل من كتاب "الداء والدواء" لابن القيم، فهو سِفر عظيم الفائدة غزير المنفعة لا غنى للداعية عنه، موجزه أن الله عز وجل رحيم بعباده يعاقبهم على تقصيرهم ليوقظهم من سكرة الغفلة والعصيان، ومن نبهه الله فقد أراد به الخير، ومن تركه فقد كرهه وأبغضه.

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده خيرًا عجَّل له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده شرًا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة"، لذا كان من حكم بن عطاء الله السكندري: "العطاء من الخلق حرمان والمنع من الله إحسان".

هل علمتم كم يحبكم الله

لا بد أن يشغل الحديث عن نعم الله حيزًا كبيرًا من حديث الدعاة إلى الشباب وسيورثهم ذلك - ولا شك - الاستحياء من مقابلة الإحسان بالإساءة والتفضل بالعصيان؛ لأن ذلك ينافي أصالة الكريم ومروءته، فيكون ترك الذنوب حياءً إن لم يكن خشية، ولا بأس من الاستشهاد بالإحصاءات العالمية لإبراز أفضال الله ونعمه غير المحسوسة، فعلى سبيل المثال:

- إذا كان لديك مال واستطعت أن توفر شيئًا منه فأنت واحد ممن يشكلون 8% من أغنياء العالم.

- إذا أصبحت في عافيةٍ هذا اليوم فأنت في نعمة عظيمة، فهناك مليون إنسان في العالم لن يستطيعوا أن يعيشوا لأكثر من أسبوع بسبب مرضهم.

- إذا توجهت إلى عملك صباحًا فأنت خير من 180 مليون عاطل يتوزعون في أرجاء العالم.

- إذا لم تتجرع خطرَ الحروب، ولم تذق طعم وِحدة السجن، ولم تتعرض لهلع التعذيب فأنت أفضل من 500 مليون إنسان على سطح الأرض يتعرضون لذلك.

- إذا قرأت هذه المقالة فأنت أفضل من مليارين من البشر الذين لا يحسنون القراءة في هذه الدنيا وهكذا.

أروهم جنة الفردوس

لا بد من تحويل بوصلة القلوب نحو الآخرة حتى تتفكر في الدار التي لا فناء فيها بل خلود، ولا شقاء فيها بل هناء بل لا نوم فيها ولا تعب، أيها الدعاة: هل تستطيعون تقريبَ صورة الجنة إلى قلوب الشباب حتى يهيموا بها شوقًا، ويسعوا لها ركضًا، ولا ينسوا لها ذكرًا، فيصلوا إلى ما وصل إليه سيد التابعين وزاهد العصر- أبو مسلم الخولاني- الذي قال: "لو رأيت الجنة عيانًا ما كان عندي مستزاد" (سير أعلام النبلاء).