تعتبر رحلة المقاومة المدنية والسياسية والعسكرية مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، من أصعب نماذج التدافع الإنساني بين الخير والشر، ورغم بساطة تعريف قضية فلسطين لشعب متوارث لأرضه من مئات السنين، مطمئن في جغرافيته مسيحيين ومسلمين، له شاهد حاسم في بيت المقدس المسجد الأقصى وكنيسة القيامة..
فاُعتديَ عليه بترحيل استيطاني متوحش، عوّضت به أوروبا ما بعد النازية، كل جرائمها ضد الأقلية اليهودية، عبر هذا المشروع العدواني على حق إنسان فلسطين الذي نُزعت منه أرضه، ومُنحت للمعتدين الذين استقدموا أشتاتاً غرباء عن هذه الأرض، وأجبر السكان الأصليين على الرحيل أو القتل أو السجن.
قضية واضحة المعالم، لكن التطفيف العالمي الموجه من المركزية الغربية، والخيانة القانونية والتشريعية الدولية، ظلت تغطي هذه الجريمة التي تتناوب عليها، الرعاية والمدد الغربي والغدر العربي في دورات متعددة، في حين يعيش أبناء فلسطين المرابطون فيها، دورات مختلفة للمقاومة ومدافعة هذا الشر.
وهنا ونحن نسلط الضوء على قضية حي الشيخ جراح، نشير إلى أهمية هذه المعارك المدنية، التي سلاحها أجساد المرابطين، وصمودهم تحت هذا القصف المستمر المتعدد الإيذاء.
حيث يعاني أهل الحي من وضعهم في حيّهم الذي انتقلوا إليه من رحلة التهجير القسرية من فلسطين 48، إلى بيت المقدس وهي هجرة من داخل الوطن إلى مركزه التاريخي، حيث المسجد الأقصى، وقد مارس الاحتلال الصهيوني دورات وأساليب فجة في التضييق والتزييف القانوني، على أهالي القدس، ليُضيّق كل شبر عليهم وينزع كتلة الصمود الرئيسية في فلسطين المحتلة.
ولذلك فتعذيب أهل الحي تحت قانون الإرهاب الصهيوني، الذي يُشرّع للمستوطنين وبدعم آلة القمع المسلحة من قواته الأمنية والعسكرية، يُسند ببرنامج صاخب قذر من المضايقات والمراقبة والاستفزازات، التي يُنشّأ عليها أجيال المستوطنين، من مشاتمة وعنف سلوك وتطاول على البيوت وأسطحها، كل ذلك يُصب على أهل الحي، فضلاً عن فاتورة الاستشهاد من سلاح المستوطنين وجيشهم.
والحديث هنا ليس موجة عاطفة نستثير بها المشاعر، رغم أن العاطفة الإنسانية والعربية والإسلامية، هي من حق أهل الرباط في فلسطين، وخاصة في بيت المقدس، إلا أن القضية الأهم التي نؤكدها، هو أهمية دعم المقاومة الإنسانية التي ترتكز على مدافعة الصهاينة بأكبر قدر ممكن للسكان، يبذلها أولئك الشباب والصبايا والشيوخ والنساء والرجال، لعرقلة الزحف الوحشي لالتهام بيت المقدس.
معركةٌ لم ينتظروا فيها تكليف أحد، اختاروها بأنفسهم وتنضم لهم أجيالهم الجديدة، استجابة للنداء القرآني، وللحق العربي في بيت المقدس وأكنافه، وهنا قد يطرح البعض قدرة المعتدين الصهاينة، على حيازة أحياء وبيوت، ومناطق من القدس ومن جنبات المسجد الأقصى.
غير أن فلسفة معركة المرابطين هنا، هي أن تلك المدافعة المدنية الصعبة يتمسكون فيها بالبيت المحاصر ويُقدمون لأجله الدماء والاستقرار، ويتحملون شتائم المستوطنين وتجسسهم، واعتداء المؤسسات الإسرائيلية المتعددة، التي يدعهما اللوبي الصهيوني اليوم.
هذه المدافعة تمثل توازن صمود وقهرا للإرادة الصهيونية الجامحة، تعجز عنها مواقف دول وزعماء سياسة متخاذلين، فيُحقق الله على يد المرابطين جولات التأخير المهمة، لمنع حسم الخطة الصهيونية لتهويد القدس وهدم المسجد الأقصى.
وبالتالي فتلك العُصبة من الأُسر المرابطة، في كل أحياء القدس وخاصة في الأحياء اللصيقة بالمسجد الأقصى وحزام البلدة القديمة، هم خط الدفاع الأمامي المهم لحماية القدس، وبقاء راية الدفاع ثابتة في جغرافية المعركة، عبر تلك الدروع البشرية التي تُضحي لأجل القدس والأقصى، وتنوب عن مئات الملايين من العرب والمسلمين.
ولقد كانت رحلة التدافع التي قادها شيخ المقاومين المدنيين في الأقصى رائد صلاح، تعتمد هذا الدفاع النوعي، ونجح نجاحا كبيراً لم تحققه الجيوش العربية، ولذلك استهدفه الصهاينة، والرسالة اليوم هي للضمير العربي وامتداده الإسلامي، بخلق جسر إمداد مباشر لدعم تلك الخطوط الأمامية ومنها حي الشيح جراح.
ولقد ألهم المقدسيون في ليالي رمضان المبارك الأمة، وهم من بادر بإحياء الروح من جديد، لتبعث عزيمة الصمود وكسر القيد العربي الصهيوني، الذي يعتاش على المستبدين وعلى دعم الغرب للصهاينة المعتدين.
ثنائية تتكرر كما تتكرر رسالة المستقبل العربي وفلسطين، بأن رياح الحرية للشعوب مقترنة دوماً بالهبة لأجل فلسطين، رمزية عميقة جسدها هتاف المقدسيين مؤخراً لثورة أشقائهم السوريين.
* مهنا الحبيل باحث عربي مستقل، مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية