بناء أسرة متماسكة قوية ملتزمة بتعاليم دينها الحنيف، حلم يسعي إليه كثير من الأزواج؛ فهو احتياج إنساني تشترك فيه كل البشرية، وقد أولى الدين الإسلامي قدسية ومكانة عظيمة للأسرة والتربية ذكرت في مواضع عديدة في القرآن الكريم وأحاديث نبوية ومواقف عديدة في السيرة الشريفة تضمنت إشارات تربوية عميقة.

ولكن في العصر الحديث توسعت الهوة من الأبناء والآباء، مما أحدث شرخا عظيما في تكوين الأسرة المسلمة، أثقل هموم الوالدين وسبب لهما الكثير من الارتباك والاضطراب في تعاملهما مع الأبناء، ولذا قدم خبراء التربية بعض الأساسيات في بناء علاقات حسنة وطيبة مع الأبناء، مستنيرين بالوحي القرآني والنبوي، على ضوء ما نعيشه في الواقع.

وقسم الخبراء أساسيات التربية لبناء علاقات ناجحة مع الأبناء إلى قسمين هما:

القسم الأول: أساسيات ذات بعد قلبي عاطفي، وتنقسم إلى:

1- تقوى الله وَفْقا لقوله تعالي فهي منجاة من كل بلاء، ومجلبة لكل خير، وهي مفتاح كل الأرزاق المادية والمعنوية، وما سعادة الأسرة وبر الأبناء وصلاحهم سوى رزق يوتيه الله المتقين.

‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (الطلاق، 2). خطاب جلي وحقيقة أبدية.

2- التعبير الوجداني وإظهار المحبة، على الرغم من أن حب الأبناء شعور قلبي قذفه الله في قلوب الوالدين، إلا أن ما نعيشه في المجتمع من برود العواطف نتيجة ضغوط الحياة، وما نتنفسه من أنفاس العنف والخشونة، جعل التعبير الوجداني عن هذا الحب للأبناء ولمن نحب يتوارى كسلوك طبيعي، والأبناء في أمس الحاجة لهذا الشعور، وإلا سيبحثون عنه خارجا، فيغرر بهم وينجرفون وراء من يخدعهم بمعسول الكلام. وما في الشارع من أهوال وألغام ومسالك شيطانية يندى لها الجبين، والتيار جارف، فلا تبخلوا على أبنائكم بكلمة حب تبني ثقة وتؤسس جسرا. وإظهار المحبة يتم عبر الكلمة والفعل كما سنرى في تقنيات التفعيل.

3– الرفق والرحمة واللين، وفي قوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران، 159) إشارة إلى أن الرفق يجمع، والعنف يشتت، الرفق يبني، والعنف يهدم، وفي البيان النبوي: “إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق” (صحيح الجامع 303). فاللين وخفض الجناح هما مصدر السعادة والاستقرار في كل علاقة.

ولا يتعارض الرفق أبدا مع التأديب التربوي، فالتأديب له شروطه وظروفه وتوقيته، واحذروا التنفيس عن الغضب والغيظ تحت مسمى التأديب.

4- الصبر والاحتواء

لابد من الصبر على أبنائنا: على أخطائهم، واختياراتهم غير الموفقة؛ فنحتويهم كما هم، ثم نتدخل برفق لتقويم وترشيد ما ينبغي ترشيده بالحكمة واللين، حتى لا نقصم ظهورهم بردود أفعال عصبية تكسر ولا تبني.

القسم الثاني:  الأساسيات السلوكية والتي تعكس مدى تمكننا من العناصر القلبية السالفة الذكر.

1- الحوار والتواصل

ما جعل أبناءنا يبتعدون وينعزلون في عوالمهم سوى غياب هذا السلوك، وهو التفاعل الإيجابي بين الأبناء والوالدين، وينبغي أن يحضر فيه حسن الاحتواء والقبول بالرأي المخالف ومحاولة تقريب وجهات النظر دونما توتر أو سلطوية.

2- المداراة والتغافل

وهذا فن ينبغي أن يتقنه كل الآباء والأمهات، ومعناه غض الطرف عن بعض الأخطاء؛ فلا نضع أبناءنا تحت المجهر؛ ننتقد كل تصرفاتهم ولا نمنحهم فرصة للخطأ، لا بد من مساحة للخطأ والتصويب حتى تكون لهم تجربة واختبار، ثم لا نضع لهم قالب كمال نجبرهم على ارتدائه، كأن نطمح أن يكونوا كزيد أو عمرو في كذا وكذا. فهذا اعتداء وظلم في حق الأبناء.

3- التقدير والاحترام

يحتاج كل الأبناء، أطفالا ومراهقين، إلى  التقدير والاحترام، لكن ما ورثناه من تربيتنا التقليدية من زجر وتسلط أبوي جعلنا نتعامل مع أبنائنا من برج عال، لا نفهمهم ولا نمنحهم بعض التقدير الذي يبني الثقة ويقوى الشخصية.

4- التشجيع والتحفيز

هي حاجة فطرية، أثبتت جميع الدراسات التربوية أن التحفيز والتشجيع يشكل السلوك الإيجابي، ويعززه، ويثبته لدى الفرد، ويرفع من مستوى التجويد في أدائه اليومي، كما يمحو بالموازاة السلوك السلبي، لكننا وللأسف، ولأننا في مجتمع يتقن التنقيص ورصد النواقص في البشر، غفلنا عن هذه الخَصْلة البانية لعلاقات ناجحة، وما أحوج أبناءنا إليها  لتحقيق التوازن النفسي لديهم، ولبناء جسور الثقة بينهم وبين الوالدين.

تقنيات وطرق تفعيل هذه المفاهيم الأساسية في التعامل مع الأبناء

كل ما ذكرناه آنفا من مقومات وأساسيات، يبقى مجرد مفاهيم معرفية لا ترقى إلى مستوى التنفيذ،  وتحتاج إلى تقنيات عملية ووسائل لتنفيذها في علاقاتنا مع الأبناء، نختصرها فيما يلي:

على المستوى الشخصي:

لا بد من الاشتغال على النفس؛ بتهذيبها، وتزكيتها، ونقلها من مقام إلى مقام، يقول تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد، 11). وذكرُ الله الكثيرُ يرقق القلب ويُلينه، ويهذب النفس ويرقيها، فلابد للمؤمن من ورد يومي من القرآن والذكر، حتى يكون له المدد على مجابهة صعوبات الحياة.

وبعدما تترسخ قدمك في عالم الذكر، تتشكل لديك إرادة حقيقية للتغيير، فيفتح الله لك سبل الخيرات.

ولا بد، بعدها، من معرفة المطلوب منك في إنجاح العلاقات، وفهمها، حتى تبدأ في التنفيذ (العلم بما ذكرناه من أساسيات).

ثم تأتي مرحلة التطبيق المباشر، بعد أن تخطيت أيها المربي العقبة النفسية للتغيير .

خطوات للتنفيذ:

1- الكلمة الطيبة

2- العناق

4- الهدية

5- التشاور والإشراك

6- القدوة

7- الدعاء