أجمع خبراء وأكاديميون سياسيون أن ما شهدته الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أحداث خلال الفترة الأخيرة الماضية، شكّل تحولاً استراتيجياً وسياسياً وعسكرياً وإعلامياً، في القضية الفلسطينية، وأعاد لمدينة القدس المحتلة مكانتها كبوصلة وعنوان للصراع، وأفشل مشاريع التطبيع في ‏تهميش ‏القضية الفلسطينية.

جاء ذلك في ندوة أقامها "مركز دراسات الشرق الأوسط" بالأردن (غير حكومي)، أمس السبت، تحت عنوان "المواجهة الفلسطينية - الإسرائيلية ‏‏2021، ‏الأبعاد الاستراتيجية"، بمشاركة 15 متحدثاً من الخبراء والشخصيات السياسية والأكاديمية من الأردن ‏وفلسطين ‏والسودان والجزائر وبريطانيا.

وشدد المتحدثون على ضرورة دعم ‏وحدة الشعب الفلسطيني ونضاله وصموده مادياً وسياسياً وإعلامياً ومعنوياً والبناء على حالة ‏الوحدة ‏الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام على أساس رؤية استراتيجية وطنية جديدة تستند إلى نتائج المواجهة وإلى مسارات ‏متوازية ‏وتكاملية، وتتبنى مسار المقاومة بكافة أشكالها ضد الاحتلال.

وأكدوا ضرورة أن يتجاوز المسار السياسي سقف أوسلو، ‏والتكامل بين مختلف ‏مكونات ‏الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، واستثمار تصاعد حالة زخم الدعم العربي والدولي للقضية ‏الفلسطينية وفرضها ‏على ‏الأجندة الدولية باعتبارها قضية شعب يناضل من أجل ‏إنهاء ‏الاحتلال وتحقيق العودة.‏

واتفق المتحدثون على دور فصائل المقاومة كلاعب رئيسي في القضية ‏الفلسطيني لا يمكن ‏تجاوزه وأظهرت الالتفاف الشعبي حول مشروع المقاومة ضمن حالة تكاملية للمواجهة على طريق تحقيق ‏مشروع التحرير، و ‏أظهرت فشل نظرية الردع الـ “إسرائيلي"، وأظهرت تقدم خطاب فلسطين التاريخية، إضافة لإعادة القضية ‏الفلسطينية إلى واجهة ‏الأحداث كقضية مركزية عربياً وعالمياً.

ودعا المشاركون لتوفير الغطاء الشعبي والعربي للمقاومة كخيار استراتيجي في مواجهة الاحتلال، والحفاظ على معادلة ‏الردع ‏التي حققتها المواجهة الأخيرة، وتطوير العلاقة الفلسطينية مع الأردن كشريك استراتيجي في مواجهة المشاريع الصهيونية ‏ومحاولات ‏تهويد القدس، وتعميق بناء حركة ‏تضامن عالمي مع الفلسطينيين.

الخروج من عنق اتفاق أوسلو

وبحث المتحدثون في الجلسة الأولى للندوة التي أدارها نائب رئيس هيئة الأركان الأسبق في الأردن الدكتور قاصد محمود إلى "الأبعاد ‏الاستراتيجية للمواجهة"، حيث أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا أسعد غانم، إلى تطور أساسي استراتيجي ‏أساسي لدى الكيان الصهيوني متمثل بتوحد الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال والخروج من عنق اتفاق أوسلو.

وأكد غانم ضرورة نفي السيطرة الصهيونية ‏على مدينة القدس وتأكيد أنها لا تزال بؤرة الصراع، مشيرا إلى الإسهام الكبير للحراك الشبابي في القدس وأراضي عام 48 والضفة بما تجاوز ‏القيادة السياسية وإطار التحكم المركزي، مع انتشار لقيمة حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة لدى الرأي العام الدولي، وظهور ‏"إسرائيل" عالمياً كدولة احتلال وفصل عنصري، وبروز دعم شعبي دولي غير مسبوق داعم للشعب الفلسطيني.‏

"حماس" وكسر "القوة التي لا تقهر"

وحول الانعكاسات الاستراتيجية لهذه المواجهة، أشار الخبير العسكري والاستراتيجي محمد فرغل إلى نجاح "حماس" في الصمود في ‏وجه أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط وتعطيل الحياة اليومية في الكيان الصهيوني، وأكدت دورها القيادي في القضية الفلسطينية، ‏بقصفها أهدافاً في العمق الصهيوني، وخلق توازن قوى جديد وإفشال نظرية الاحتلال للردع، ولو جزئياً.

وأشار إلى أن العدوان الأخير على غزة، كشف عن نواحي ضعف كبيرة في بنية الكيان الصهيوني  وخاصة المجتمع "الصهيوني" وجبهة الاحتلال الداخلية ‏وهشاشة الاقتصاد، فضلاً عن الخسائر العسكرية التي مني بها الصهاينة والتي ستظهر نتائجها تباعاً.‏

كي الوعي "الصهيوني "

فيما أشار أستاذ العلوم السياسية من فلسطين أمل جمال إلى ما وصفه بحالة "التبدل والتحول في الوعي الصهيوني وحالة ‏الصدمة لدى المجتمع داخل الكيان نتيجة أداء المقاومة عسكريا وما جرى في المدن الفلسطينية في الداخل المحتل عام 48 وفشل ‏نظرية تدجين الشعب الفلسطيني وتقسيمه والتعايش تحت الهيمنة الصهيونية، لا سيما عبر نظرية السلام الاقتصادي".

وأكد في هذا الصدد، بروز ‏الدبلوماسية الشعبية لفلسطينيي الشتات وتأكيد فشل مشروع التطبيع في تجاوز القضية الفلسطينية وتهميشها، وتجاوز الأجيال ‏الفلسطينية لتحكم نخب وقيادات غير قادرة على تحقيق مكاسب للشعب الفلسطيني.‏

"حماس رقم صعب"

من جهته رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح في رام الله رائد نعيرات أن المواجهة الأخيرة بين "الكيان الصهيوني" ‏والشعب ‏الفلسطيني أظهرت حركة حماس كفاعل أساسي في ‏أي حل ولا يمكن تجاوزه.

ويضيف: "كما أثبت تحولها لقائد لمشروع المقاومة الفلسطينية، ‏إضافة للنجاح في توسيع الدائرة الرمزية التي ‏تتمتع بها القدس ومحوريتها في الصراع مع الاحتلال، وأثبتت وحدة ‏الشعب الفلسطيني، ‏وتكامليته في استخدام أدوات في مختلف أماكن تواجده.

كما ‏أعادت البوصلة لفلسطيني الداخل وصراعهم مع ‏الاحتلال، وأكدت على دور الشباب في التحشيد الداخلي أو في ‏تأليب الرأي العام العالمي.

كما أنها قدمت محددات لمفهوم وطبيعة ‏القيادة الفلسطينية القادمة بما يكرس دورا ‏قادما لقوى المقاومة في رسم وصنع السياسة العامة الفلسطينية ودورا آخر لقيادة ‏الشتات وفلسطينيي الداخل، بما أكد على أهمية التكاملية الجغرافية والنضالية وتكاملية ‏المسارات".‏

فشل هدف الاحتلال

من جانبه أكد المحلل العسكري والاستراتيجي فايز الدويري، فشل هدف الاحتلال في كسر إرادة المقاومة وتدمير قوتها ‏العسكرية وأن المواجهة الأخيرة أحدثت عدة تغييرات فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً بما في ذلك تصاعد الأصوات الدولية واتساع ‏رقعة الحراك الشعبي الداعم للشعب الفلسطيني.

وأشار إلى من ضمن تلك التحولات، عودة القضية الفلسطينية ‏كأولوية متقدمة على الساحة العربية والدولية، وتحقيق خطوات على طريق إفشال صفقة القرن، وبروز المقاومة كقوة لا يمكن ‏تجاوزها في القضية الفلسطينية، وتوحيد الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.‏

فلسطينيو 48

من جهته أكد رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 محمد بركة أن هبة الكرامة التي ‏قام بها فلسطينيو 48 انتصاراً للقدس والمقاومة.

كما أكد بركة تمسك فلسطينيي 48، بهويتهم الفلسطينية وتصويب البوصلة نحو القدس ووحدة الشعب ‏الفلسطيني في نضاله بمختلف الوسائل المتاحة في مواجهة المشروع الصهيوني، مشيراً إلى نجاح الإضراب العام الذي أعلن من ‏مدينة يافا وشمل كافة المناطق الفلسطينية خلال العدوان الصهيوني.‏

التطبيع العربي

فيما اعتبر وزير الخارجية السوداني الأسبق مصطفى عثمان، فشل الاستراتيجية "الصهيونية" حول قدرتها على فرض ‏مشروعها عبر القوة العسكرية، وفشل مشروع التطبيع العربي في تجاوز حل القضية الفلسطينية.

وأكد على ضرورة إحياء العمل ‏العربي المشترك لحل القضية الفلسطينية وعودة القضية الفلسطينية على رأس أولويات النظام العربي الرسمي، مع تأكيد ارتباط ‏المقدسات بالقضية الفلسطينية وما يشكله ذلك من تأكيد كونها قضية عربية إسلامية، وبروز جيل جديد في الغرب خارج عن ‏الرؤية التي تخدم الرواية الصهيونية، وتصاعد حالة التضامن الشعبي الدولي مع القضية الفلسطينية.‏

الانعكاسات الاجتماعية

من جهته أشار أستاذ العلوم السياسية والإعلام في غزة عدنان أبو عامر، إلى الأبعاد الاجتماعية والفكرية ‏الاستراتيجية ‏لنتائج المواجهة على مستوى غزة.

وأشار إلى الإسهامات الكبيرة التي أحدثتها المواجهة، في تعزيز الروح الجماعية، والاتفاق الشعبي حول المقاومة ومنحها غطاء شعبيا ‏جماهيريا، وتجسيد حالة ‏الانسجام الفكري بين مختلف مكونات فصائل المقاومة بصورة كبيرة، لا سيما من خلال ‏غرفة العمليات المشتركة، وغياب أي ‏مظاهر للخلاف بين الأجنحة العسكرية الفلسطينية وبروز مظاهر التضامن الاجتماعي والتكافل المجتمعي التي ظهرت بعد انتهاء ‏العدوان مع من ‏تضرر نتيجة الحرب مما ساهم في تعزيز الروح الجماعية.‏

غزة والرأي العام العالمي

فيما بحث المتحدثون في الجلسة الثانية للندوة التي أدارها الدكتور حسن المومني "الفرص الاستراتيجية ما بعد المواجهة" حيث اعتبر ‏رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي من فلسطين أن المواجهة الأخيرة أظهرت حالة الوحدة الفلسطينية، ‏والتحول غير المسبوق في الرأي العام الدولي المتضامن مع الشعب الفلسطيني.

وأشار البرغوثي إلى حصول تغير في ميزان القوى لصالح فلسطين، وانضواء جيل الشباب الفلسطيني في مسار النضال ‏ضد الاحتلال.

فيما اعتبر البرغوثي أن الفلسطينيين بحاجة ‏لاستراتيجية وطنية بديلة مختلفة عبر المقاومة الشعبية على الأرض وحركة المقاطعة للكيان الصهيوني والصمود على الأرض والتكامل بين ‏مختلف مكونات الشعب الفلسطيني.

وطالب البرغوثي بالتحلل من اتفاقيات أوسلو في ظل تجاهلها من قبل الاحتلال، كما دعا لضرورة وقف حالة ‏الانقسام والتوحد على برنامج وطني لقيادة المشروع الفلسطيني.‏

إنهاء الانقسام

فيما أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة الدكتور مخيمر أبو سعدة ضرورة البناء على حالة الوحدة الميدانية ‏الفلسطينية للضغط على الاحتلال ‏الصهيوني بعدم الاستفراد بالفلسطينيين في الضفة والقدس، أو غزة، مما يتطلب إنهاء ‏الانقسام ‏السياسي عبر حوار وطني فلسطيني.

وأوضح ضرورة أن يقوم الاتفاق على برنامج ‏وطني أساسه القواسم ‏المشتركة بين الفصائل الفلسطينية والشروع مجددا في الاتفاق ‏على عقد الانتخابات الفلسطينية على أسس ديمقراطية واستثمار الدعم ‏العربي والدولي للقضية ‏الفلسطينية وفرضها على الأجندة الدولية باعتبارها قضية شعب يناضل من أجل إنهاء ‏الاحتلال وحق العودة.‏

قواعد الاشتباك

في حين اعتبر الدكتور أيمن يوسف من الجامعة العربية الأمريكية في فلسطين ‏أن المواجهة غيرت من ‏قواعد الاشتباك مع دولة ‏الاحتلال مع تفاعل الفلسطينيين في أرض المعركة في غزة والضفة والقدس ‏والساحل الفلسطيني 1948 والشتات عبر استخدام كل ‏الوسائل والأدوات النضالية القسرية والسلمية.

ورأى أنه يمكن إجراء مقاربة جديدة يمكن الاعتماد عليها مستقبلا بشكل متناغم مع دبلوماسية ثورية ‏اندفاعية، رسمية ‏وشعبية، تستثمر في إدارة النصر وفي التوظيف السياسي والوطني لكل المواجهات الميدانية، مؤكداً ضرورة ‏استثمار ظهور القيادات الميدانية، والعمل على تعميق بناء حركة ‏تضامن عالمي مع الفلسطينيين من خلال تفعيل العقوبات ضد ‏الاحتلال على كل المستويات الرسمية والشعبية.‏

اتفاقيات السلام

فيما دعا الخبير العسكري والاستراتيجي محمود إرديسات لمغادرة مربع اتفاقيات السلام عبر إلغاء آثارها عملياً والعمل بموجب ‏المصالح الوطنية ‏في مواجهة المشروع الصهيوني سياسياً وإعلامياً وقانونياً ودعم ‏وحدة الشعب الفلسطيني ونضاله وصموده ‏بمختلف الوسائل.

وأكد ضرورة البناء عربياً على ما تحقق من نتائج لإحداث توازن رعب مع ‏العدو الصهيوني، مع إنشاء صندوق ‏لدعم فلسطين في كل دولة عربية، واعتبار أن المواجهة مع ‏الاحتلال الصهيوني وليس التطبيع معه، هي سمة المرحلة.‏

رؤية استراتيجية

في حين أكد الكاتب والمحلل السياسي عاطف الجولاني على ضرورة اعتماد رؤية استراتيجية ومقاربة جديدة تقوم على أساس ‏مسارات متوازية وتكاملية في مواجهة الاحتلال، على أساس مواجهته سياسيا وعسكريا وشعبيا.

كما دعا إلى وقف الرهان على خيار المفاوضات ‏الذي أثبت فشله في إنجاز الحقوق الفلسطينية، والخروج برؤية على أساس مسار سياسي توافقي يتجاوز سقف أوسلو ويبني ‏على نتائج المواجهة الأخيرة، ومقاومة شعبية نشطة ومستدامة في القدس والأراضي المحتلة عام 48، إضافة لمقاومة مسلحة في غزة ‏والضفة الغربية، والدور النشط لفلسطينيي الشتات في معادلة النضال الفلسطيني.

وشدد الجولاني على ضرورة إنجاز المصالحة ‏الفلسطينية على أساس الرؤية الوطنية الاستراتيجية الجديدة، والحفاظ على حالة الوحدة والشراكة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ‏وتوفير غطاء عربي لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني.‏

تقييم المسارات

فيما أشار أستاذ العلاقات الدولية في الجزائر فاروق طيفور، إلى المسارات والأدوات اللازمة عربيا لمواجهة ‏الاحتلال ودحر المشروع الصهيوني، وذلك انطلاقاً من مسئولية الأمة في عملية التحرير.

وأكد على ضرورة تقييم نتائج ‏المسارات السابقة ونجاعة الأدوات المستخدمة والبناء على ما حققته هذه المواجهة من بيئة عربية جديدة بالتخطيط والاستشراف.

كما ‏أشار لعدد من الأدوات المتاحة للبناء على ما تحقق في هذه المواجهة ومن ذلك الأدوات الفكرية والثقافية، والإعلامية والسياسية، ‏والأدوات الحزبية والمجتمعية والبرلمانية والقانونية والدبلوماسية، إضافة للأدوات المالية والإغاثية.

في حين أكد الكاتب البريطاني ديفيد هيرست أن المواجهة الأخيرة أظهرت عجز قوة  الاحتلال أمام الصواريخ الفلسطينية بما ‏يؤسس لواقع جديد في الصراع، كما أكد تغير الخطاب الدولي تجاه ما يجري لصالح الفلسطينيين.‏