بقلم: د. سمير يونس

قالت إحدى الزوجات: أنا زوجة أكرمني ربي بزوج صالح، وظلَّت تُثني عليه وتعد مناقبه وصفاته الحميدة، ثم قالت: غير أنه حدث موقف شعرت فيه بأنه جرحني وأحبطني، خاصةً بعد أن فضفضت لبعض جاراتي، فبدلاً من أن تهدئني زادتني ألمًا ونكدًا وحزنًا، وشعرت بعدها بأنني يجب أن أردَّ لزوجي الصاع بصاع مثله.

لقد أقام الإسلام الحياة الزوجية على أُسس من الحب وحسن المعاشرة ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: من الآية 19)، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾ (الروم).

بيد أن شياطين الجن والإنس لا يهدأ لهم بال إلا إذا أفسدوا بين الزوجين، فشياطين الجن تسعى بكل ما أُوتيت من حبل للتفريق بين الزوجين، فأعلى الشياطين درجة عند إبليس- لعنه الله- وأقربهم إليه وأدناهم منه منزلة ذلك الذي فرَّق بين الزوج وزوجته، قال صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه- جنوده- فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة إغواءً وإفسادًا، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم أنت، فيلزمه، أي: يحتضنه" (رواه مسلم).

القرآن الكريم يؤكد خطورة الشياطين:

لقد أكد القرآن الكريم خطورة الشياطين في التفريق بين الأزواج وذلك في قوله عزَّ وجلَّ:

﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)﴾ (البقرة).

وصايا ذهبية للتعامل مع الخلافات الزوجية:

أولاً: تهيئة المناخ السليم للحياة الزوجية، فيكون شعار الزوج والزوجة لا خلافات تفرقنا، وهذا يقتضي مراعاة مشاعر كلٍّ منهما للآخر، وتجنب رفع الصوت أو الإيذاء أمام الأولاد، والأخذ بمبدأ الوقاية خير من العلاج.

 

وهذا يقتضي أن يتعاون كلٌّ من الزوج والزوجة على تجنب كلِّ ما يسبِّب الخلافات الزوجية والمشكلات، بالإضافة إلى وأد أيَّة خلافات زوجية وهي لا تزال في مهدها؛ ذلك لأن علاجها في بدايتها أيسر بكثير مما إذا انتشرت واستفلحت حتى يتم علاجها مبكرًا، واجتثاث جذورها قبل أن يقوى عودها ويصعب نزعها.

أرى الخلافات الزوجية عندما لا تبادر بعلاجها كسرطان يسري في جسد الحياة الزوجية؛ فتغدو الحياة الزوجية هزيلة ضعيفة مريضة، وربما تؤدي إلى مرض الوفاة ثم يقضي عليها فتموت.

إن الحياة الزوجية كشجرة طيبة خضراء إذا لم نتعهدها بالغذاء والماء، فإنه يتوقع لها أن تجف وتذبل ثم تصير هشيمًا تذروه الرياح.

ثانيًا: الحذر من شياطين الإنس والجن، إذ لهؤلاء الشياطين خطورة شديدة على استمرار الحياة الزوجية وأمنها وسعادتها.

ثالثًا: الاتفاق على منهج لمواجهة المشكلات، فمن ضمانات سير الحياة الزوجية في سلام وسعادة أن يتفق الزوجان على آلية محددة لعلاج المشكلات الزوجية، تحدد في هذه الآلية طُرق العلاج وأسسه، ومن الذي سيتولى بين الزوجين.

ويُفضل أن يبدأ الزوجان بمحاولة حلِّ مشكلاتهما، فلا يوسطان أحدًا للحكم بينهما والصلح إلا إذا عجزا عن الحلِّ والعلاج، ففي هذه الحالة يلجآن إلى من يُصلح بينهما، ويُفَضَّل أن يكون المصلحون من أهلهما، قال سبحانه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)﴾ (النساء).

ويفضل أن يتفق الزوجان في بداية الزواج على من يُصلح بينهما إذا اختلفا، وبذلك يتخذان مرجعية بدلاً من التفكير بطريقة ردود الأفعال أو بعد أن تقع الوقعة، وأعرف بيوتًا لم تؤثر عليها هذه الخلافات الزوجية بفعل هذه الحصانة (المرجعية).

 
 

رابعًا: تحكيم شرع الله عزَّ وجلَّ فيما ينشب بين الزوجين مِن خلافات، وتنفيذ ما يحكم به الشرع، ففي ذلك حسم للجدل، وإيقاف لتمادي النفس البشرية في غفلتها وهواها، يقول ابن القيم- رحمه الله-: هلاك الأفراد والأمم في الغفلة واتباع الهوى.

خامسًا: حفاظ كلا الزوجين على خصوصية العلاقة بينهما، وتجنب كلٍّ منهما إذاعة أسرار هذه العلاقة، وعدم السماح للآخرين باقتحام خصوصياتهما والقيام بدورهما في حلِّ الخلافات الزوجية واحتوائها، وعدم تحكيم الآخرين فيها مهما كانت درجة قرابتهم أو صلتهم بالزوجين إلا عند الضرورات، فإن كان لا بد من تحكيم الآخرين فليكن هؤلاء المحكمون المصلحون من أقارب الزوجين، على أن يتم انتقاؤهم بناءً على توافر الحكمة والأمانة والخبرة لدى هؤلاء المختارين للصلح بين الزوجين.

سادسًا: التناصح والتواصي بالحقِّ والصبر واعتياد الحوار الهادئ بينهما، والمبادرة بالاعتذار والاعتراف بالخطأ فور وقوعه، فالاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه من الفضائل؛ لأنه إقرار بالحق كما أنه يهدئ صاحب الحق وينتزع الغضب والألم من نفسه.

سابعًا: الحذر من طول الخصومة والفجور فيها، فخير الزوجين- كما علَّمنا رسولنا الحليم الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم- هو من يبدأ بالسلام، ويتجنب هجران شريك حياته ويصفح عنه، وحسبه أن يتأمل قول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾ (آل عمران).

ثامنًا: الفصل بين الاختلاف في الرأي والحب، فقد يختلف اثنان في الرأي ويظلُّ الحب باقيًا، فكما قيل الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية.

تاسعًا: الحذر من أن تؤدِّي الخلافات الزوجية إلى منع أحد الطرفين من تأدية حقوق الزوجية، فلا يمتنع الرجل عن الإنفاق على زوجته بسبب خلافه معها، ولا تعصي الزوجة زوجها بسبب خلافها معه.

عاشرًا: تجنب الحرام، فلا يصح أن تؤدي الخلافات الزوجية إلى ارتكاب أحد الشريكين ذنبًا أو الوقوع في شيء محرم، فلا يجوز للزوج أن يبحث عن صديقة له، ولا يجوز للزوجة أن تبحث عن حبيب أو عشيق لها، فذلك من المحرمات المهلكات التي هي نَزْوَة سُرعان ما تنتهي، لكنها تورث ندمًا وألمًا طوال العمر، ناهيك عن عقاب الله عزَّ وجلَّ في الدنيا والآخرة، ومن المحرمات أيضًا أن يسبَّ أحد الزوجين الآخر أو أن يقبحه أو يضربه أو يُشَهِّر بسمعته أو يختلق عليه الأكاذيب ويتتبع العورات.

 
 
حادي عشر: تجنب مناقشة الخلافات والمشكلات الزوجية أمام الأبناء وعلى مسامعهم، بيد أن الأولاد أحيانًا يكونون أنسب المصلحين إلا بشروط أهمها فشل الزوجين في إصلاح حالهما، وكذلك نضج الأولاد وخبرتهم في هذا الأمر.

ثاني عشر: إذا تأكد الزوجان أن حياتهما معًا لم تعد تُطاق، وصار استمرار الحياة الزوجية نكدًا ونقمة عليهما وعلى الأولاد.

فإن الطلاق وإن كان أبغض الحلال إلى الله هو الوسيلة للعلاج، عسى أن يُصلح الله به الحال، ويرفع به الأضرار، قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)﴾ (النساء).

ثالث عشر: ضبط العلاقة بين الزوجين وبين الأقارب، فقد تتفاقم الخلافات الزوجية بسبب أهل الزوج أو أهل الزوجة.

ومن أهم أسباب تلك الخلافات:

أ- خروج الزوجة من بيت زوجها لزيارة أهلها دون إذنه، فيجب على الزوجة ألا تخرج إلا بإذن زوجها، وعلى الزوج أن يدرك أن خروجها إنما هو صلة لرحمها فيسمح لها ويستحسن أن يصاحبها ما أمكنه ذلك، وينبغي للزوجة ألا تُكثر من خروجها، وأن تدرك أن وضعها الاجتماعي قد تغيَّر، وأن عليها واجبات في بيتها الجديد يجب أن تؤديها وألا تقصِّر فيها، ويجب أن تصبر وتضحي حتى تتكيف مع النظام الاجتماعي الجديد الذي تعيش فيه.

ب- اعتراض الزوجة على إنفاق الزوج على أهله، فعلى الزوجة أن تُدرك أن والد الزوج ووالدته لهما فضل كبير على زوجها، وأن من الوفاء والبر أن يحسن إليهما وينفق عليهما, وأن إنفاقه هذا هو صلة لهما، وكذلك أخواته وإخوته وخاصة غير القادرين منهم.

فصلة الرحم واجبة حتى إن قاطع الأهل الزوج، يقول صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها" (رواه البخاري وأبو داود والترمذي).

فهذا رجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "لئن كنت كما قلت، فكأنكما تسفهم المن- يعني الرماد الحامي- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".

فقاطع الرحم ملعونٌ ومفسدٌ في الأرض، قال سبحانه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)﴾ (محمد).

جـ- العناد: فقد يمنع الزوجُ الزوجةَ حقَّها، وقد يحدث العكس، والعناد هو مثيل الكبر، وهو منع للحق مع العلم به، وهو فعل من عمل الشيطان؛ ليفسد به بين الزوجين.

وقد وردت ألفاظ العناد أربع مرات في القرآن الكريم، وكلها اقترنت بالكفر وجهنَّم ونكران الحقِّ، ففي سورة هود: ﴿وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)﴾، وفي سورة إبراهيم: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)﴾، وفي سورة ق: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)﴾، وفي سورة المدثر: ﴿كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)﴾.

د- سلامة اللسان: فينبغي تجنب ذلك من قِبَل الزوج والزوجة؛ لأن اللسان السليط البذيء يؤذي الآخر ويجرح مشاعره، فإذا ابتلي أحد الزوجين بذلك فليصبر وليذكِّر شريكه بلطف وحكمة ورقة بأن المسلم لا يكون طعَّانًا ولا لعَّانًا ولا بذيء اللسان.

هـ- المبالغة في الصمت أو الثرثرة، فالاعتدال في الكلام يضفي زينة على الشخصية، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "لا أزال أهاب الرجل حتى يتكلم، فإذا تكلم عرفته"، وقد يُبْتَلى أحد الشريكين بصمت شريكه الطويل، فيمل ويشعر بعدم تفاعله معه، وقد يحدث العكس فيبتلى بكثرة ثرثرته حتى إنه لا يعطيه أي مجال للتحدث، وتلك مشكلة تحتاج إلى صبر ولباقة من المبتلى حتى يفتح مجالات ليتحدث الصامت، ويعوّد الثرثار أن يترك لشريكه مجالاً للحوار.