نشرت شبسكة "سي إن إن" تقريرا قالت فيه إن لاجئا سوريا يطالب بتحقيق العدالة لمقتل أخيه على يد مرتزقة روس.

وفي التقرير الذي أعده سبستيان شوكلا وجمانة كرادشة قالا إن فيديو مروعا نشر على الإنترنت وأظهر كيف تحول حقل نفطي في الصحراء وسط سورية إلى "غرفة تعذيب مؤقتة". وظهر فيه أربعة رجال بالزي العسكري وهم يعذبون رجلا ويكسرون يديه ورجليه بمطرقة.

وفي الوقت الذي كان يصرخ فيه طلبا للمساعدة كانوا يسخرون منه بحيث غطت ضحكاتهم على صرخات الألم. وفي خلفية مشهد التعذيب أغنية قومية للجيش الروسي "أنا القوات الروسية الخاصة". أما الضحية في فيلم الفيديو المسجل بطريقة غير متقنة فهو عامل البناء السوري محمد البالغ من العمر 31 عاما وأب لأربعة أولاد صغار، اختفى وهو في طريق العودة من عمل في لبنان في مارس 2017. وكان آخر ما تلفظ به محمد هو الشهادة.

وقام الرجال الذين قتلوا وشوهوا جثة محمد بكتابة شعارات بالحروف الروسية وتقول "من أجل في دي في والاستطلاع، في إشارة إلى القوات الروسية المحمولة جوا. وتم تحديد هوية أحدهم من الصحيفة الاستقصائية "نوفايا جازيتا" بأنه مرتزق تابع لفاجنر، وهي شركة تعهدات أمنية مرتبطة بيفجيني بريجوجين، صاحب العلاقات مع الكرملين والمعروف بطاهي بوتين.

وبعد أربعة أعوام على مقتل محمد، تقدمت ثلاث منظمات غير حكومية روسية وفرنسية وسورية بدعوى قضائية في الدور الذي لعبه مرتزقة فاجنر في الجريمة وبإمكانية ارتكاب جرائم حرب. وتم تقديم الدعوى القانونية في مارس نيابة عن أخيه عبد الله. وهذه هي المرة الأولى التي حاول فيها أحد محاكمة عنصر في شركة فاجنر فيما تقول منظمات حقوق الإنسان إنها قائمة طويلة من الانتهاكات التي قام بها المرتزقة الذين سمح توسعهم في مناطق عدة من العالم لتوسيع سياستها الخارجية في مناطق مثل سورية وأوكرانيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزامبيق.

وعبد الله اليوم لاجئ غادر سورية عام 2017 ولم يتحدث أبدا عن مقتل شقيقه، لكنه كسر صمته بمقابلة مع "سي إن إن" من أجل لفت انتباه العالم للمأساة التي مزقت عائلته. ولحماية عائلته التي تعيش في مناطق النظام، طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل. وقال "ذهب أخي ولن يعود أبدا" و"أريد من العالم الاستماع لقضية أخي ولمحاسبة هؤلاء المجرمين".

وفي آخر مكالمة لمحمد أجراها في إبريل 2017 أخبر عبد الله أن النظام اعتقله بعدما اجتاز الحدود إلى سورية بعد عمل 8 أشهر في لبنان. وقال إنه نقل مكرها إلى دمشق وأجبر على الخدمة في الجيش، لكنه يخطط للهروب. وبعد 10 أيام اتصل وقال إنه أرسل إلى حمص وأنه سيهرب في الليل. وكانت آخر مكالمة له مع العائلة. وقال "سلم على الوالد والوالدة واطلب منهم مسامحتي، سأعمل شيئا ولا أعرف إن كنت سأعود أم لا". وطلب منه أن يعتني بزوجته "وضعت عائلتي أمانة في عنقك". ويقول عبد الله "كان هذا الكلام وكأنه يعرف أن أمرا سيحدث له". ولم يقابل محمد ابنته الصغرى أبدا.

وبسبب الحرب الأهلية وانقطاع الاتصالات الهاتفية وغياب التغطية للإنترنت، كان من الصعب على عائلته معرفة ما جرى له. ولم تعرف إلا بعد أشهر عندما ظهر فيديو تعذيبه.

وقال عبد الله "في يوم أرسل شخص من البلدة لقطة فيديو قائلا شاهد فلربما كان شقيقك” و”بالطبع تعرفت على أخي من ملابسه وصوته وشكله" و"تعرض للتعذيب على يد جنود غير سوريين ولم نفهم ما كانوا يتحدثون به"، وأخبر عبد الله بقية أفراد العائلة ولكنه لم يشركهم بالفيديو لخوفه من الأثر الذي قد يتركه على الكبار.

وأضاف "عندما شاهدت الفيديو كان لدي أمل أنه لا يزال حيا"، “فقد تعرض للتعذيب لكنه كان حيا ويتحرك، وكنا نأمل أنه حي في المستشفى”. وسافر والدهم إلى دمشق بحثا عنه في المستشفيات والسجون. وقال عبد الله، 27 عاما إنهم تأكدوا من وفاته بعد ظهور شريط ثان بعد شهرين. وقال "عندما شاهدت الفيديو ومشهد قطع رأسه بقيت في الغرفة أياما ثلاثة لم أخرج منها، فلم يكن مجرد أخ بل وصديقا وكنا لا نفترق أبدا"، وأصيب أخوهم الثالث بحالة نفسية بعد مشاهدته للفيديو.

ومنح وجود مرتزقة فاجنر موسكو مساحة للنفي، فقد كانوا يمثلون رأس حربة الوجود الروسي. وفي فبراير 2018 قتلت غارات أمريكية مئات من مقاتلي فاغنر عندما حاولوا التقدم نحو حقول النفط في دير الزور. وعملت موسكو جهدها لإبعاد نفسها عن الحادث، لكن عندما بدأت الجثث بالوصول إلى روسيا اتضح أنها عملية فاجنر.

وجمعت "سي إن إن" شهادات من مصدر على صلة مع فاجنر قام بزيارة المقاتلين الجرحى العائدين إلى روسيا. وفي الأيام التي تبعت العملية قامت مؤسسة مستقلة بزيارة مقاتل مات في سورية وأكدت أنه لم يكن جنديا في القوات النظامية الروسية. واكتفت وزارة الخارجية بالقول إن هؤلاء المرتزقة يعملون باستقلالية وسافروا إلى سورية بناء على مسئوليتهم. وفي سورية تركز عمل المرتزقة حول شركة اسمها إيفرو بوليس التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها لعلاقتها مع بريجوجين. وحصلت "سي إن إن" على عقد الشركة مع الحكومة السورية ونص بحصولها على نسبة 25% من موارد حقول النفط التي تم استعادتها من المعارضين.

وبعبارة أخرى يقوم مرتزقة فاجنر في القتال أما شركة ايفرو فتحصل على الغنائم. ومنذ توسع بصمات فاجنر في الشرق الأوسط أصبحت نقطة انطلاقها القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية على البحر المتوسط. ورصدت سي إن إن حركة الطيران من اللاذقية لمسارح حرب أخرى. وحصلت على وثيقة اتفاق بين بريجوجين والقوة الجوية 223 واستخدامها في الرحلات الجوية. وهناك أدلة تقترح أن حالة محمد هي طرف كرة الثلج. وكشف تحقيق للشبكة في يونيو أن مقاتلي فاجنر ارتكبوا جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى. ونفت روسيا أي علاقة مع المرتزقة، مؤكدة أنهم غير مسلحين ولا يشاركون في العمليات القتالية. ونفت كذلك حكومة أفريقيا الوسطى الاتهامات مشيرة إلى أن تحقيقا سيكشف عن الحقيقة.

وجاءت الأخبار عن الدعوى القضائية التي قدمها في مارس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والمركز التذكاري لحقوق الإنسان في روسيا والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، متزامنة مع الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب. وجاء في بيان للمجموعات الثلاث "الدعوى هي غير مسبوقة وتملأ ثغرة الإفلات من العقاب وتحاسب الروس المشتبه بهم”. وقالت إن الناشطين السوريين وضحايا الجرائم التي ارتكبتها كل الأطراف في النزاع السوري يعملون منذ 2011 للحصول على المحاسبة، ذلك أن هناك مساحات محدودة لهم لتحقيق العدالة، فالمحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع ممارسة صلاحيتها في سوريا نظرا لعدم توقيع سورية على معاهدة روما التي شكلت المحكمة.

وفي بحثهم عن العدالة بات الضحايا يعتمدون على المحاكم الألمانية والفرنسية وتطبيق مبدأ الصلاحية العامة لمعاقبة المجرمين والمشتبه بارتكابهم جرائم حرب. وفي بداية العام أصدرت محكمة ألمانية حكما على ضابط سوري بتهم ارتكاب جرائم حرب وهي الأولى من نوعها. ولم يتم التحرك بناء على الدعوى في موسكو، ورفضت محكمة طلبا من الصحيفة الاستقصائية "نوفايا جازيتا" في 2019 فتح تحقيق في حالة محمد. لم يسمع عبد الله أبدا باسم فاجنر وكل ما يريده هو تحقيق العدالة لأخيه ومحاسبة قتلته. وقال "لو لم يعطهم أحد الضوء الأخضر لما قتلوه".