كان الذئب في أعلى الوادي و الحمل في أسفله .
فقال الذئب للحمل: لقد عكّرت عليّ الماء ؟
فقال الحمل: سبحان الله الماء يأتي من ناحيتك إليّ فأنت في الأعلى و أنا في الأسفل !
فقال الذئب : لا أتحدث عن اليوم، بل عن العام الماضي ؟
فقال الحمل : سبحان الله إنما ولدت قبل شهور، و لم أبلغ السنة بعد !
فقال الذئب : إنه أبوك إذن !
فقال الحمل : إنما نحن غرباء لسنا من هذا البلد، و لم نأت إلا من شهور !
فقال الذئب : هو كبش من قومك !
هكذا تتعامل النظم القمعية الاستبدادية مع كل من يحاول الإصلاح والنهوض بالبلاد ونشر قيم الحرية والعدل بنظرية الذئب والخروف، معتمدين على مالديهم من ترسانات الأسلحة التى تُشترى من دماء الشعب لتكديسها وتخزينها لقتال الشعوب وسفك دمائها إذا مافكرت أن تخرج عن النص المكتوب لها !!   
فمنذ أن وقع انقلاب قيس سعيد فى تونس على الشرعية الدستورية والانتخابية والإرادة الشعبية.. إلّا وانطلقت الأقلام والحناجر تنهش في الإخوان المسلمين . 
* فتارة نجد من يعيب على الإخوان عدم استعمال القوة، وأنه لابد للحق من قوة تحميه، والسخرية من شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" . 
وإلى هؤلاء نقول :
أن هذا معناه أن تكون للإخوان المسلمين قواتهم المسلحة داخل الدولة، وأن يكون لغيرهم الحق كذلك في تكوين قوات أو ميليشيات مسلحة؛ فيكون للشيوعيين قواتهم، وللنصارى قواتهم وللشيعة قواتهم… وهكذا سائر المكونات ..
وهكذا نفتح الباب لفوضى التسلح والكيانات المسلحة داخل الدولة، ونفتح الباب كذلك لشراء هذا الفصيل أو ذاك، واستخدامه أقذر استخدام من شياطين الإنس وأعداء الأمة ..
وهذا ينذر بشرٍّ مستطير ،
ولدينا نموذج لبنان شاهد على ما نقول .
ثم لماذا في كل انقلاب يكون الإسلاميون وحدهم مطالبين بالتصدي له وإفشاله بالقوة المسلحة، ويُحمّلون وحدهم المسئولية عن ذلك ؟!!
أليس هناك شعب وأحزاب ونخب يجب أن تكون شريكاً في المسئولية عن الوطن واستقراره ؟
ولماذا يُختصر الأمر في مطالبة الإخوان وحدهم بمجابهة الجيوش الباغية، بينما حضرات المنظِّرين يتفرجون ؟! 
إنني أعترف أن الأمر معقد ومتشابك؛ لكن في نفس الوقت لا يسوغ أن تطرح أفكار خطيرة كهذه بتلك البساطة والتسطيح وتجاهل كثير من الاعتبارات في أرض الواقع .
* وتارة يطالبون الإخوان بالانسحاب من الحياة السياسية نهائياً؛ لأنهم لن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وعليهم أن يعودوا كما كانوا جماعة دعوية إصلاحية . 
* وتارة يلجئون إلى الطعن، والتجريح، والغمز، واللمز، والهمز، وإسقاط  النظريات الاجتماعية التربوية والسلوكية على ممارسة الإخوان للسياسة . 
* وتارة يلجئون إلى تحميل جماعة الإخوان المسلمين مشاكل الكوكب قاطبة بما فيها التغيّر المناخي والاحتباس الحراري !!
والطريف أن هؤلاء يقفزون مباشرة إلى عقد مقارنة ظالمة مع تركيا ، وأن حكمة أردوغان  وحنكته السياسية هى التي أفشلت الإنقلاب ليلة 15 تموز .
بينما يرى هؤلاء أن جهل الإخوان بدهاليز السياسة وعدم الحنكة السياسية قادهم إلى الفشل _ ليس فى مصر فحسب_ بل فى اليمن وليبيا وأخيراً تونس . 
ونسى هؤلاء عن قصد أوعدم قصد أن تركيا عاشت منذ حقبة ستينيات القرن الماضي سلسلة من الانقلابات التي ظلت عالقة في وعي الشعب التركي، تأثر بها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ما دفعه إلى رفض محاولة الانقلاب الفاشلة 15 تموز عام 2016 .
فقد كان الانقلاب الأول سنة 1960حين انقلب العسكر على رئيس الوزراء المنتخب "عدنان مندريس " بحجج ومزاعم واهية حيث أُلقِيَ القبض على مندريس واقتيد إلى أنقرة، وتم إيداعه السجن  فى جزيرة "ياسّى أدا" في بحر مرمرة ، وتمت محاكمته ، وحكم بإعدامه في 15 سبتمبر 1961.
وبعد 11 عاماً من الانقلاب على مندريس شهدت تركيا انقلاباً عسكرياً في 12 مارس 1971 ، عُرف بـ "انقلاب المذكّرة" ، حيث أرسل الجيش إلى رئيس الوزراء آنذاك "سليمان ديميريل" طالبه فيها بالتنحي، وهو ما حصل فعلاً باستقالة ديميريل، لتتحوّل تركيا إلى ما عُرف بـ"نظام الثاني عشر من آذار".
وفى 12 سبتمبر 1980 قاد الجنرال "كنعان إيفرين" انقلاباً دموياً هو الأعنف فى تاريخ تركيا مع مجموعة من ضباط الجيش، واتخذ مجلس الأمن القومي برئاسة إيفرين قرارات بحلّ البرلمان وإيقاف العمل بالدستور .
وفى 28 فبراير عام 1997 قرر مجلس الأمن القومي" بزعم حماية علمانية الدولة من الرجعية الدينية" الإطاحة بالحكومة الائتلافية فأصدر النائب العام قراراً بحل "حزب الرفاة" باعتباره حزباً معادياً للدستور ومبادئ العلمانية، والذى عرف ب "انقلاب ما بعد الحداثة".
فالحالة التركية ودرجة وعي الشعب مرت بالعديد من التجارب التى لخصتها هذه المرأة التركية الواعية بقولها ليلة انقلاب 15 يوليو : 
في انقلاب 1960 رأيت جدى يبكي  كالنساء، وفي انقلاب 1980 رأيت أبي يبكى كالنساء ، 
وفي انقلاب 2016 رأيت إبني يقفز على الدبابات، ويقبض على الخونة والعملاء؛ فعلمت أن أردوغان قد ربى جيلاً من الأبطال .
فالإسلاميون بصفة عامة قبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية، لكن للأسف فإن النظم العسكرية الدكتاتورية والعلمانيين والليبراليين واليساريين ومن لفّ لفَّهم يقبلون بالديمقرطية إذا أتت نتائجها لصالحهم ! لكنهم يكفرون بها  حين تأتي بالإسلاميين .
و يعتبرون كل التفاف على الشرعية انقلاباً إلا إذا كان ضد الإسلاميين !! .
ليس عيباً أن نختلف حول قضية من القضايا ، ولكن العيب كل العيب أن تحاول فرض رأيك باعتباره الحق الذى لا مرية فيه، ولكن رأيك هذا مهما بلغت صحته يبقى فى النهاية وجهة نظر أقبلها أو أرفضها فأنا حر !!
فالإخوان مارسوا العمل السياسي، واجتهدوا؛ فأصابوا وأخطئوا، وفى كل الأحوال هم مأجورون باجتهادهم، لكنهم لم يألوا جهداً في التصدى للاستبداد والفساد والانحلال الخلقي وموجات التغريب والعولمة وغيرها من قضايا الأمة، لذلك فهم يتعرضون للقمع والاضطهاد من الأنظمة القمعية المدعومة من قوى الشر العالمية، والذرائع كثيرة من خلال التنسيق مع العملاء والخونة الذين باعوا شرفهم .
ولاينكر أحد أن قوى شعبية كبيرة التفَّت حول الإخوان ونزلوا الشوارع بكثافة، بل من نزل الشارع في مصر أضعاف من نزلوا فى تركيا ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة، ولكن الفارق أن الجيش الوطني التركي انحاز لخيار الشعب، لكن في بلادنا العربية المنكوبة فإن العسكر انحازوا لخيار الاستبداد والتبعية للشرق أو الغرب !!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .