حذرت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها من تحول تونس نحو الاستبداد، مؤكدة أنه ليس الحل لمشاكلها.

وقالت إن الحكومات المتعاقبة على البلد منذ ثورة عام 2011، فشلت في حل المشاكل الاقتصادية والقضاء على الفساد. وأشارت إلى أن تونس كانت مهد الربيع العربي، وبعد عقد لا تزال البلد الوحيد المتعلق بالديمقراطية. والآن بعدما عزل الرئيس قيس سعيد، رئيسَ الوزراء وعلّق البرلمان المحاط الآن بعربات الجيش، فإن الآمال والمُثل التي حملتها انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت شمال أفريقيا والشرق الأوسط في 2011، تواجه أخيرا خطر السحق في البلد الذي بدأت فيه.

وتقول الصحيفة إن جذر الأزمة نابع من فشل الديمقراطية التونسية في توفير حياة أفضل لمواطنيها. وحتى قبل موجة كوفيد-19، كان البلد يعاني من الفقر والبطالة، خاصة بين الشباب، ومن ركود اقتصادي وزيادة في الديْن. ودمر الوباء صناعة السياحة، وأدت الطريقة السيئة التي أدارت فيها الحكومة الردّ على الجائحة لزيادة حالات الوفاة التي كانت الأعلى في كل القارة الأفريقية.

وكانت الطريقة الفوضوية لفتح 29 مركز تطعيم أمام جميع المواطنين إلى عزل وزير الصحة، وطلب سعيد من الجيش تولي مهمة الرد على الأزمة، كمقدمة لتحركاته في نهاية الأسبوع. وما يقف خلف الفشل هذا، هو الشلل السياسي الذي منع الحكومة من العمل بشكل مناسب. فحركة النهضة التي فازت بأغلبية في انتخابات الجمعية التأسيسية بعد ثورة 2011 تنحت عن السلطة للسماح بتشكيل حكومة مشتركة مع الأحزاب العلمانية في ظل الدستور الجديد لعام 2014.

إلا أن سلسلة من التحالفات المضطربة أدت لمنع أي إصلاح حقيقي. كما بقي الفساد على حاله كما كان في زمن زين العابدين بن علي، وشعر التونسيون أن القوى السياسية تقوم بتقاسم الغنيمة فيما بينها. ولم يكن مستغربا ترحيب الكثير من التونسيين بالخطوات التي اتخذها سعيد -أستاذ القانون السابق- والذي خاض الانتخابات بناء على برنامج مكافحة الفساد.

وكان الرئيس في حالة شجار منذ أشهر مع رئيس الوزراء هشام المشيشي، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي.

وعلقت الصحيفة، أن سعيد تعهد بحماية الديمقراطية التونسية، لكنه استخدم مخطئا ذريعة تثير التساؤل للسيطرة على السلطة. وقال إن المادة 80 من الدستور التونسي تسمح له بتولي السلطات التنفيذية عندما يتعرض البلد لتهديد محتوم، وعليه التشاور مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان. وجرّد سعيد النواب من الحصانة، وتولى صلاحيات المدعي العام. وتعرض مكتب قناة الجزيرة للمداهمة من قوى الأمن.

وعبّر الرئيس منذ انتخابه عن عدم إعجاب بالنظام السياسي الحزبي. وقالت الصحيفة إن هناك أصداء تثير القلق من مصر، التي قام فيها عبد الفتاح السيسي عام 2013 بالإطاحة بمحمد مرسي. وأظهرت مصر أنه الناس يتقبلون الاستبداد عندما يشعرون بالتعب من الديمقراطية الفوضوية.

وتقول الصحيفة إنه يجب عدم السماح بحدوث هذا مرة أخرى في تونس. والحل لهذه المشاكل لا يكون بالعودة لحكم الشخص الفرد، بل بالحوار الذي سيقود إلى ديمقراطية متجددة. وعلى المجتمع الدولي أن يكون صارما في دعوته لاحترام الدستور والمؤسسات الديمقراطية ودعوة سعيد لتجنب استخدام سلطاته الجديدة وإجبار البرلمانيين على القبول بنظام مستبد. وعلى الأحزاب التونسية الاعتراف بأنها فقدت ثقة الشعب التونسي.

وتقوم رباعية من المنظمات ونقابات الشعب التي توسطت عندما كادت الديمقراطية التونسية تنهار في 2013 بعمل نفس الأمر. وقادت تونس طريق الديمقراطية في العالم العربي أكثر من مرة، ولديها الوقت لكي تفعل هذا.