وصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة السوربون الدكتور برهان غليون، الإجراءات التي أقدم عليها الرئيس التونسي يوم الأحد الماضي بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة وتولي النيابة العامة، بأنها انقلاب على المسار الديمقراطي في تونس.

وقال إن انقلاب الرئيس قيس سعيد على المسار الديمقراطي قد ينجح جزئيا لكنه لا يمتلك آفاقا للصمود حتى وإن حظي بدعم إقليمي من أنظمة عربية وصفها بـ "العداء للثورات والديمقراطية".

وأضاف: "نحن في تونس أمام انقلاب مازال يتلمس طريقه بالنظر لأنه يأتي بعد ثورة عظيمة يصعب معها العودة إلى الديكتاتورية.. ربما يتماشى الرأي العام التونسي مع هذا الانقلاب جزئيا لأنه محبط من الإدارة السابقة، بسبب الصراع السياسي وأيضا بسبب الصعوبات الاقتصادية، لكنه سرعان ما سيعود للحركة ومقاومة العودة إلى النظام القديم". حسب "عربي21".

وأضاف: "رأيي أن الانقلاب في تونس لن ينجح، حتى وإن حصل على دعم خارجي، في قص جذور التحول الديمقراطي الذي حصل بوعي، فهو تحول نابع من ثورة شعبية وراءها رصيد للديمقراطية والمشاركة الشعبية".

وتابع: "صحيح أن الناس ربما وضعوا راهنا الديمقراطية بين قوسين، بسبب رغبتهم في الحياة أولا ومعالجة القضايا الحياتية المباشرة المتصلة بالجانب المعيشي والصحي، والديكتاتورية يمكنها أن تقدم وعودا بالتعاون مع دول ذات مصلحة في التجاوب المرحلي مع هذه المطالب بهدف إفشال الديمقراطية عربيا، لكن الروح الديمقراطية التي برزت في الثورة وترسخت بعدها لن يتمكنوا من إفشالها".

وأشار إلى أن "ما يجري في تونس اليوم هو أحد بؤر الصراع حول الديمقراطية في العالم العربي، وجولة ربحها مرحليا محور الدول المضادة للربيع العربي، لكنها جولة لن تلغي آمال تثبيت الديمقراطية في تونس، خصوصا إذا تمكن الديمقراطيون من استعادة وحدتهم".

واعتبر غليون أن فشل الانقلاب مرهون أيضا برد فعل ليس فقط الإسلاميين، وإنما أيضا بقدرة الديمقراطيين من الإسلاميين والعلمانيين على إعادة بناء تحالف حقيقي يتجاوز الأبعاد الإيديولوجية الضيقة لصالح المشترك من القيم الديمقراطية.

وعما إذا كان الغرب جزءا من الأطراف الداعمة للانقلاب على الديمقراطية في تونس، قال غليون: "الانقلاب الذي جرى في تونس كان بدعم إقليمي عربي تحديدا، وأنه بدون هذا الدعم لا يستطيع الصمود لأيام.. أما الغرب فأعتقد أنه كان بعيدا عن هذا الانقلاب، وعموما الغرب لم يعد كما كان سابقا، فهو اليوم منشغل بقضاياه، وهو يدرك أن الديكتاتورية طريق مسدود، وهو يفضل حكما ديمقراطيا مستقرا بتونس، لكنه غير معني كثيرا به إلا إذا كان هناك ما يضره من قضايا لاجئين وعلاقات اقتصادية".

وتابع: "أنا ميال إلى أن الانقلاب الراهن في تونس ليس وراءه الأوروبيون والغرب، وإنما أنظمة عربية معركتها الرئيسية هي إلغاء فكرة الحريات والثورات والإبقاء على الأوضاع كما هي قبل قيام الثورات"، على حد تعبيره.

وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، يوم الأحد الماضي 25 يوليو الجاري، إثر احتجاجات شعبية في محافظات عديدة طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية، إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة.

وتلا ذلك إصدار عدة مراسيم رئاسية أقال بموجبها رئيس الحكومة ووزيري الدفاع والعدل وعشرات المسؤولين في مناصب حساسة.

ويُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضًا ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.

لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولا عربية، لا سيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفا على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.