أيها الأب أيتها الأم: إنك تحب أن يكون ابنك أحسن منك ولا أحد غيره، ابنك امتداد لحياتك، وهو صورة المستقبل لك، فماذا تريد هذه الصورة أن تكون؟

إن الحوار هو الذي يستطيع أن يصنع هذه الصورة الجميلة؛ فهل تستخدمه مع أبنائك وبناتك وهل تستخدمينه أيتها الأم مع بناتك ؟

يؤكد المعنيون بالعلاقات الإنسانية والإرشاد والتوجيه الأسري أن غياب الحوار وفقدان التواصل والمودة بين الزوجين من جانب، وبين الآباء والأمهات والأبناء من جانب آخر، سبب رئيسي في تصدع وانهيار كثير من المؤسسات الزوجية، وتفكك أركانها، بل يذهبون الى أكثر من ذلك عندما يضعون غياب الحوار في قفص الاتهام، عندما يتعرض أي من أفراد الأسرة لمشاكل سلوكية أو اجتماعية أو حيوية نتيجة عدم الشعور بالأمان النفسي، وفقدان الانتماء الناجم عن فقدان التواصل الأسري لغياب الحوار.

فالآباء يقعون في حيرة كبيرة عندما يلاحظون أبناءهم أسرى الصمت والضجر والنفور داخل المنزل، فيما يعيشون حياتهم المرحة بشكل طبيعي مع أصدقائهم خارج المنزل.. هذا الصمت وهذا الغموض المطلق يثير لدى الكثير من الآباء التساؤلات والريبة، ويعظم لديهم عقدة الذنب في أحيان كثيرة، وهنا نستذكر قول الرسول الكريم''صلى الله عليه وسلم'': ''كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول''، ونتساءل: هل هي فجوة وصراع بين جيلين؟ أم تحفظ من جانب الأبناء تُجاه تصرفات الأبوين وعتاب مكبوت في الأعماق؟ أم افتقاد لجسور التواصل وغياب ثقافة الحوار؟ وما هى الأسباب؟

الصداقة والمصارحة

ربما يتفق الجميع  على أن الأمور التي يشملها الحوار مع الأبناء هي أمور تتعلق بالدراسة، وشغل أوقات الفراغ، واختيار الأصدقاء، والتعامل مع الزملاء والأصدقاء، والأمورالأخلاقية، والدينية، والعلاقات الإنسانية، والعادات والتقاليد، والأمور الأسرية والمنزلية، والمشاكل اليومية التي يتعرض لها الأبناء، والإجابة على تساؤلاتهم واستفساراتهم المتعددة.

لا يختلف اثنان حول أهمية إقامة الحوار مع الأبناء، وأنه أفضل الطرق التربوية للتعامل معهم، وأقصر الطرق الى فهمهم والولوج الى عوالمهم، فالابن عندما يبلغ سن العاشرة مثلاً، يحتاج الأهل لأن يسمعوا منه مشاكله ومعاناته وصداقاته، أين يذهب؟ ومع من؟ وكيف يقضي أوقاته خارج المنزل؟ ومثل هذه الأسئلة قد لا تصل الى إجابات صريحة من الأبناء الذين تربوا على أساليب الضرب والزجر والنهر والعقاب.

فكيف لمثل هؤلاء أن يقيموا حواراً طبيعياً مع ذويهم ؟ اننا نجد الأبناء الذين اعتادوا الحوار مع آبائهم خلال فترة طفولتهم أقدر بكثير على فتح حوارات ومصارحات واسعة حول كل شيء مع الأهل، ومن هنا تأتي أهمية الحوار مع الأطفال في سن مبكرة، حتى لو كانت غير واقعية أو غير جدية، المهم أن يعتاد الطفل النقاش والحوار والصراحة، ويعتاد مناقشة والديه في كل شيء.

وعندما يكبر الطفل ويصبح من الضروري محاورته خوفاً عليه من الانحراف، أو الفشل، أو الانجرار وراء الأفكار الهدامة، أو صحبة السوء، أو غيرها من الأخلاق والتصرفات السلبية.

إن غياب الحوار الأسري يعني فقدان التواصل بين العائلة الواحدة وقطع أواصر التلاحم والترابط، والمجتمع المسلم بحاجة شديدة إلى الحوار لتوجيه الأبناء الذين مازالوا في أول الطريق، ويحتاجون إلى من يرشدهم وينقذهم من الثقافة الغريبة الدخيلة عليهم ويخشى أن تسيطر على عقولهم وأفكارهم.

'' ان كثرة القنوات الفضائية والجلوس أمام الحاسوب بالساعات قضى على النشاطات الأسرية المشتركة، وأصبح لكل فرد اهتماماته الخاصة، بالاضافة الى التفاوت الكبير بين الأجيال، فالجيل السابق غير راغب في قبول افكار الشباب ودائما يوجه إليهم الاتهامات، مما جعلهم يلجئون إلى الآخرين لمناقشة قضاياهم ومشاكلهم.