يقول الله تعالي: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً } الأحزاب41

الله غايتنا، وهو خالقنا ورازقنا؛ فهل نغفل عن ذكره ؟ وهل هناك من نسعد بذكره أفضل منه سبحانه ؟ إنها سعادة لاتسمو عليها سعادة ، إنها قرب من الله، وأنس به، واطمئنان إلى جنبه، وانشراح الصدور بنوره، وأمن وأمان وتفويض وإسلام الأمر له سبحانه، لا خوف ولا  قلق، لا حيرة ولا شقاء ولا اضطراب :{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }  الرعد (28)..

كلما ذكرت الله كنت مع الله، وكان الله معك، كنت مع الغنى القوي القهار الرحمن الرحيم الرزاق، من بيده الأمر، وهو على كل شىء قدير؛ فلا تشعر بحاجة الى أى شىء .

 فماذا فقد من وجد الله ؟  لا شىء....... وماذا وجد من فقد الله ؟ لا شىء .

كلما ذكرت الله باسم من أسمائه أو صفة من صفاته ترك ذلك أثراً وانطباعاً خاصاً فى النفس و القلب، وزادا للروح يسمو بصاحبه، ويسمو كلما ازداد ذكره لله ، وتعلو منزلته عند الله، أما الغافل عن ذكر الله فيتعرض لوسوسة الشيطان الذى يذكره بالمعاصى و الشهوات والآثام وسيىء الأعمال، ويظل يهبط به ويهبط الى أسفل سافلين، ويصدق فيه قول الله تعالى: { أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )الأعراف (179).

الله تعالى يقول :{ فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون } سورة البقرة (152). هل هناك أسمى منزلة ممن يذكره الله تعالى فيكون فى حفظه ورعايته ورحمته وفضله ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم ) متفق عليه .

إننا بذكر الله نخلص أنفسنا من هذه الأجواء العفنة و الفتن المتزاحمة ونطهر قلوبنا ونفر الى الله ونخلص إليه :{ ففروا الى الله إنى لكم منه نذير مبين } [الذاريات: 50]. وكلما ذكرنا الله خنس الشيطان بوسوسته وانصرف عنا وتطهرنا من رجسه .

عندما نعيش بقلوبنا كل صفة من أو اسم من أسمائه نذكره به يزداد إيماننا به وتعظيمنا له سبحانه وفى هذا خير زاد لنا على الطريق .

وهذه الرحمة التى تتغشانا والسكينة التى تتنزل علينا  عندما نجلس لذكر الله كلها خير وزاد كبير ، ففى الحدي الذى يرويه مسلم :( لايقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده ) هذا وإن الله سبحانه يباهى ملائكته بمجالس الذكر هذه .

وفى ذكرنا لله تعالى ما يدفعنا الى التحلى بالصفات التى يحل لنا أن نتصف بها لا تلك التى لايحل لنا أن ننازعه إياها فكلما ذكرنا الله الرحمن البر الرحيم الحليم الكريم الصبور الشكور العفو الغفور وجدنا أنفسنا لابد لننال رحمة الله أن نرحم من فى الأرض، ولكى نحظى بجود الله وكرمه يلزم أن نكون كذلك مع خلق الله المحتاجين ولكى يشملنا عفو الله يجب أن نعفو عمن يسيىء إلينا وهكذا وفى ذلك زاد كبير .

ولما فى الذكر من خير يدعونا الله إلى ذكره فى أحوالنا وأوقاتنا حتى لانحرم هذا الخير وهذه المعية فيقول تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور وكان بالمؤمنين رحيماً }  ويقول تعالى :{ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات وارض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار  } آل عمران (191) أى كرم من الله وفضل أن يسمح لنا بذكره فى كل أحوالنا حتى ونحن على جنوبنا سبحانك ربى ما أكرمك .

احرص يا أخى أن يكون لسانك رطباً بذكر الله فتذكر الله عند طعامك وشرابك ولباسك ونومك ويقظتك، وفى طريقك الى العمل، وفى عملك، وفى كل أحوالك، ولا تسمح أن تمر بك لحظات سهو أو لهو أو لغو .... فما لم تكن مشغولاً بعمل أو عبادة فأشغل نفسك بذكر الله فتستكثر من الحسنات وتحظى بالطمأنينة ومعية الله ويحط الله عنك السيئات ما شاء .

واعلم يا أخى أن الذكر المقصود ذكر القلب قبل اللسان، فإذا ذكر العبد ربه بقلبه انعكس ذلك على جوارحه فإذا باللسان يذكر الله فلا ينطق إلا خيراً، و العين تذكر الله فلا تنظر إلى حرام، والأذن تذكر الله فلا تسمع الى ما يغضب الله، واليد تذكر الله فلا تتحرك إلى شر أو إثم، والرجل كذلك، بل العقل لا يفكر فى شىء حرام، و القلب لايخطر به إلا كل خير .

وهكذا بالمفهوم الشامل للذكر نرى أن كل أمر راقبت فيه ربك وتذكرت نظره إليك ورقابته عليك فهو ذكر؛ فالتوبة ذكر، والتفكر من أعلى أنواع الذكر، وطلب العلم ذكر، وطلب الرزق إذا أحسنت فيه النية ذكر وهكذا .

ومع ذكرنا لله فى كل أحوالنا وأمورنا فإن ذكر الله فى خلوة له أثره، وله متعته وحلاوته فى القلب، ونوره وانشراحه، خاصة إذا صاحب ذلك فيض العين بالدمع من خشية الله ، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا  ظله :( .... رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه .... ) .

يشقى الناس فى حياتهم، ويتعبون، ويبحثون عن السعادة و الطمأنينة، وينفقون الأموال للحصول على ذلك لعلهم يجدونها فى وسائلهم المادية ولا يجدونها، فى حين أن هذه السعادة و الراحة و الطمأنينة تتوافر بكل يسر لمن يذكر الله ويدعوه بإخلاص .

الغافلون و الملحدون لا يذكرون الله فإذا أصابتهم شدة، أو نزلت بهم نازلة ذكروا الله، وإذا هم يجأرون إليه بالدعاء أن ينقذهم وينجيهم من هذه الضائقة أو النازلة، وإذا كشفها الله عنهم إذا هم يعودون إلى غفلتهم، أما المؤمنون فهم يذكرون الله فى الرخاء و الشدة، وفى كل أحوالهم يذكرونه ولا ينسونه .

إن المؤمن إذا ذكر الله وقت عافيته وبسطة المال عنده يشكر الله ويتذكر فضل الله عليه فى ذلك فلا يطغى ولا تفتنه الدنيا وحين يذكر الله وقت الشدة و الضائقة يذهب الله عنه الضيق ويبدله سكينة وطمأنينة وأنساً وراحة بال.

ومن جميل فضل الله علينا وحسن جزائه للذاكرين ما جاء فى هذا الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل مما أعطى السائلين ) رواه مسلم .

إن التهليل و التحميد والتكبير  و التسبيح والاستغفار  و الحمد و الثناء و الصلاة و السلام على رسول الله  صلى الله عليه وسلم كل ذلك له فضل كبير وثواب عظيم وقد ورد فى ذلك آيات وأحاديث كثيرة وتناولت بعض الصيغ المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أحوجنا الى كسب الحسنات وطرح السيئات بهذا الذكر .

ومن فعل ذلك سيجد بإذن الله أثر ذلك حلاوة فى قلبه، ونوراً لروحه، وانشراحاً فى صدره، وفيضاً من الله تعالى .

بتصرف من كتاب –زاد على الطريق – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله