السيرة النبوية العاطرة، هي سيرة متميزة لها خصائصها التي بينها المحققون من العلماء، فهي سيرة علمية مدونة، وسيرة تاريخية ثابتة، وسيرة مكتملة الحلقات، من الولادة إلى الوفاة، وهي سيرة شاملة جامعة، تجسد حياة النبي صلى الله عليه وسلم في وقائع وأحداث، ناطقة معبرة، هذه الحياة المتكاملة المتوازنة، التي نجد فيها الإسلام حيا، والقرآن مفسرا، والقيم الإسلامية تسعى بين الناس على قدمين، هذه الحياة هي التطبيق العملي للقرآن الكريم، كما قالت عائشة وقد سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "خلقه كان القرآن".

هذه الحياة هي التي يجد كل مسلم فيها أسوته المثلى، ومثله الأعلى، فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما، وامتن به على المؤمنين، إذ بعثه رسولا منهم {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:164)، يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).

ولا يوجد عند اليهود ولا النصارى ـ ولا عند غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى ـ مثل هذه السيرة الحية النابضة، الشاملة لكل مراحل الحياة، وكل جوانب الحياة، كما تصور ذلك كتب الشمائل النبوية، وكتب "الهدي النبوي": في المأكل والمشرب، في الملبس والزينة..

في النوم واليقظة، في الحضر والسفر، في الضحك والبكاء، في الجد واللهو، في العبادة والمعاملة، في الدين والدنيا، في السلم والحرب، في التعامل مع الأقارب والأباعد، مع الأنصار والخصوم، حتى النواحي التي يسميها الناس "خاصة" في معاشرة الزوجات، كلها مروية محفوظة في هذه السيرة الكاملة.

..................

* من كتاب "الحياة الربانية والعلم" لفضيلة الشيخ.