ويستمر الحديث عن تأجج الصراعات الداخلية بسبب ضعف القيادة ويكمل الأستاذ فتحي يكن – حديثه عن ذلك في كتابه ) المتساقطون على الطريق  كيف .. ولماذا ؟ ) فيقول: وأود أن أنقل هنا فصلاً من كتابي (مشكلات الدعوة والداعية ) يتعلق بالقيادة ومسئولياتها والصفات اللازمة لها :

صفات لازمة للقيادة :

أولاً - معرفة الدعوة :

ولمعرفة القائد لدعوته تماماً يلزم أن يكون ملماً إلماماً جيداً بشئونها الفكرية، والتوجيهية، والتنظيمية، مواكباً لنشاطها، مطلعاً على أعمالها وتصرفاتها .

وضمان نجاح القيادة إنما يكون في تلاحمها مع القاعدة وعدم انفصالها عن الموكب المتحرك أو انعزالها في صومعة، بل إن المسئولية القيادية لتتطلب من صاحبها الاتصال الدائم بالجنود والتعرف على آرائهم ومشكلاتهم، وفي ذلك ما فيه من اطلاع ودراسة تجريبية مفيدة للجانبين .

ثانيا: - معرفة النفس :

ومن واجب القائد أن يعرف مواطن القوة والضعف في نفسه، والقائد الذي لا يعرف قدراته وإمكاناته لا يمكن أن يكون قائداً ناجحاً، بل ربما جر على دعوته الكوراث والأضرار .. ولذلك يجب :

أ- أن يتعرف إلى نقاط الضعف لديه، ويعمل على تقويتها .

ب- أن يكتشف مواطن القوة عنده، ويسعى لدفعها وتنميتها .

ج- أن يحرص على تنمية الثقافة العامة والاطلاع على مختلف الموضوعات، والآراء، والأفكار السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، الخ ...

د- أن يعنى بدراسة شخصيات القادة المسلمين وغيرهم، والتفرع على طرق وأساليب قياداتهم، وأسلوب  وعوامل نجاحهم أو فشلهم .

ثالثاً - الرعاية الساهرة :

وقيام القائد بملاحظة الأفراد وتعرفه عليهم جيداً، واطلاعه على أحوالهم، وأوضاعهم الخاصة والعامة، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، والعمل على حل مشكلاتهم كل هذا مما يساعده على ضبطهم، وكسب ثقتهم، وبالتالي على حسن الاستفادة من طاقاتهم .

رابعاً - القدوة الحسنة :

والأفراد ينظرون دائماً، ويتطلعون إلى قادتهم كأمثلة حسنة، يقتدون بها ويحذون حذوها .

فسلوك القائد، ونشاطه، وحيويته، وأخلاقه، وأقواله، وأعماله، ذات أثر فعلى على الجماعة بأكملها؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان نعم القدوة لصحابته { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } الأحزاب :21] وصحابته رضوان الله عليهم كانوا أئمة صالحين، وهداة مهتدين، وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ((صحابتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم )).

خامسا: النظر الثاقب :

وقدرة القائد على إجراء تقدير سريع وسليم لأي موقف، والوصول إلى قرار حاسم في شتى الأحوال والظروف من شأنه أن يكسبه ثقة الأفراد وتقديرهم .

أما التردد، والغموض، والحيرة، والارتباك، فمن شأنه أن يخلق الفوضى، ويُضعف الثقة، ويُفقد الانضباط وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول ((إن الله يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند هجوم الشهوات )).

سادساً - الإرادة القوية :

وقوة الإرادة ركن من أركان الشخصية القيادية، بها تذلل الصعاب، وبها تحل المشكلات، وبها تجتاز العقبات، وقادة الإسلام أحوج ما يكونون في هذا العصر إلى إرادات فولاذية تهزأ بالمحن والخطوب .

سابعاً - الجاذبية الفطرية :

وهي صفة طبيعية إن وجدت في القائد استطاع أن يجذب القلوب بدون  تكلف .. وهذا العنصر من أقوى العناصر التي تتكون منها الشخصية القيادية .

 ثامناً - التفاؤل :

ويعتبر التفاؤل من الأمور الجوهرية اللازمة للشخصية القيادية؛ ولذا يجدر بالقائد أن يكون دائماً في تفاؤل؛ متطلعاً أبدأ بأمل وانشراح، دون أن يصرفه ذلك عن التحسب لما قد تخبئه الأيام من مفاجآت .

إن اليأس عامل خطير من عوامل الانهيار والدمار في حياة الأفراد والجماعات، ولا يجوز أن يسمى (اليأس حكمة ( والأمل ) خفة وتهوراً .. كما لا يجوز أن يخضع الأمل لجوامع العاطفة وطفراتها، وإنما ينبغي أن يتلازم مع العقل والتقدير .

والقيادة - طليعة الركب، ورأس القافلة، وتأثيرها على الصف بليغ وعميق، فإنْ هي تخاذلت ويئست، عرّضت الصف للتخاذل واليأس، وإن هي صمدت أمام الملمات، وثبتت في وجه التحديات، أشاعت في نفوس الأفراد والجنود روح الأمل والإقدام .

من الأمثلة على ضعف القيادة أن مسئولاً عن إحدى الجماعات الإسلامية كان يضيق بجنوده ذرعاً إن شعر أنهم تجاوزوه في العلم أو المعرفة أو الأهلية التنظيمية والتربوية أو غير ذلك، ولقد انتهي به الأمر إلى مفاصلة هؤلاء والتخلص منهم، والاكتفاء من العمل الإسلامي بتربية الصغار ليس إلا .

وأذكر أن أحد الأخوة كان بارعاً ناجحاً في تجميع الشباب وتربيتهم وتأهيلهم للعمل الإسلامي، ولقد تمكن من إيجاد نواة للعمل في أكثر من مكان، ولكنه لم يكن قادراً على متابعة وتعهد النواة في المراحل المتقدمة التي تحتاج فيها إلى الضبط والتنظيم ..

وهذا ما يفرض الاختيار الحسن الملائم لكل مرحلة ومهمة وعمل فكل ميسر لما خلق له .

 

منقول بتصرف من كتاب "المتساقطون على الطريق  كيف .. ولماذا ؟ " للأستاذ فتحي يكن رحمه الله