فتحي  السيد 

استكمالا للحديث حول تفسير الآية التالية :

يقول - تعالى -: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

ويقول ابن كثير - رحمه الله - في كتابه "تفسير القرآن العظيم": ومن آياته - سبحانه - الدالة على عظمته وكمال قدرته أنْ خلقَ لكم من جنسكم إناثًا تكون لكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها، ولو أنه - تعالى - جعل بني آدم كلَّهم ذكورًا، وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم؛ إما من جنّ أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ مودة، وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإنّ الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو الرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما وغير ذلك.

ثانيًا: ولنقف قليلاً عند قوله: {من أنفسكم}، الزوجة إنسان كريم، والمماثلة قائمة بينها وبين الزوج، وللرجل درجة القوامة على المرأة؛ {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]. والقوامة ليست تحكُّمًا من الزوج؛ لإلغاء آراء الآخرين، إنها كإشارة المرور التي تنظم السير في الشارع دون أن توقفه، ولذا فقوامة الرجل لا تلغي دور المرأة ولا مشاركتها في الرأي ومعاونتها في بناء الأسرة.

ثالثًا: إنّ الأمن والسكن والاستقرار يؤدي إلى نجاة الأبناء من كل ما يُهدِّد كيانهم، ومن كل ما ينحرف بهم، ويبعدهم عن الطريق القويم؛ لأنهم ينشئون داخل مؤسسة نظيفة، لا غش فيها ولا دغل، اتضحت فيها الحقوق، واستبانت المعالم، وقام فيها كل فرد بواجبه وأدى ما عليه؛ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.

تحددت فيها القوامة، ورضي كل فرد فيها بما لَهُ، بغير تعدٍّ على الآخرين، أو تحدٍّ لهم؛ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، إنها اختصاصات موزعة توزيعًا ربانيًّا عادلاً، لا جور فيه ولا ظلم، بل تكامل وتراحم.

رابعًا: إنّ على كل من الزوجين أن يحترم رأي الآخر، وليكن النقاش المبلل بندى العاطفة السبيل الذي يُرجع إليه، ومن الخير ألاّ يطول النقاش وألاّ يصل إلى حد المراء، ومن الخير أن يتنازل واحد منهما مرة عن رأيه للآخر، لا سيما عندما يبدو له رجاحة الرأي المقابل.

إنّ النقاش الموضوعي المصقول بندى المودة والمحبة يتغلب على كل المصاعب؛ حفاظًا على الحياة الزوجية السعيدة، ولسان حال الزوجة السعيدة يقول:

أنا   أنت    وأنت    أنا        كلانا روحان سكنا بدنا

خامسًا: إنّ المودة والرحمة الفطرية التي جعلها الله بين الزوجين لتزداد بازدياد خصال الخير في كليهما، وتقل بانخفاض خصال الخير فيهما، وإن النفس جبلت على محبة مَن يعاملها بلطف ويسعى لها بالخير فكيف إذا كان هذا الإنسان هو الزوج أو الزوجة وبينهما مودة من الله؟ لا شك أن تلك المودة سوف تزداد وتقوى، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)).

سادسًا: ومن لطائف الحياة الزوجية في بيت النبوة، ما جاء في رعاية حق الزوجية في الحياة، وبعد الممات، ففي صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما غرتُ على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرتُ على خديجة وما رأيتُها، ولكن كان النبي يُكثر ذكرها، وربَّما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً ثم يبعثُها في صدائق خديجة، فربّما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد.

وفي الحديث من الفوائد:

(1) في الحديث بيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من كريم الخصال وعظيم الصفات، من حسن العهد، وحفظ الود، والحلم وحُسن المعاشرة، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيًّا وميِّتًا، وإكرام معارف ذلك الصاحب.

(2) وفيه فضل خديجة، وعظيم قدرها عند رسول الله ومحبته لها.

(3) وفيه أنّه ينبغي للزوج أن يحفظ لزوجه المودة والتقدير، حيًّا وميتًا؛ اقتداءً برسول الله.

(4) على الزوجة أن تسعى جاهدة؛ لكسب ودِّ زوجها، والتحبب إليه بحسن المعاملة، وطيب المعاشرة، فالمرأة المحبوبة هي التي تعطي الرجل ما نقص من معاني الحياة، وتلدُ له المسرات من عواطفها، كما تلد من أحشائها، فالمرأة وحدَها هي التي تستطيع إيجاد الجو الإنساني لزوجها، فمن النساء مَن تدخل الدار فتجعلها روضة ناضرة باسمة مهما كانت مصاعب الحياة، ومن النساء مَن تدخل الدار فتجعل فيها مثل الصحراء برمالها وقيظها وعواصفها، ومن النساء من تجعل الدار لزوجها هي القبر!

أيها الزوجان، لتكن حياتكما مُفْعَمَة بالمودة والرحمة، وليكن أساسها السكن النفسي، لتنعما بحياة أُسَرية، وراحة نفسية، وهناءة زوجية، وصفاء روحي، ونعيم دنيوي وثواب أخروي، وتواصل وجداني، ومحبة متبادلة ، وذرية صالحة، وأُسَرة كريمة.