د. عز الدين الكومي

بعد أسبوع من زفة إلغاء حالة الطوارئ وتغريد قائد الانقلاب في حسابه على "تويتر" قائلاً : "باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء واحة للأمن والاستقرار في المنطقة" والذي كان يخاطب به الغرب على أنه يعزز حقوق الإنسان في مصر ، وأنه أطلق إستراتجية جديدة لحقوق الإنسان ... إلى آخر هذا "الهري" رغم أن هذا الأفَّاك نسي أو تناسى أنه عزَّز حقوق الإنسان ببناء أكبر مجمع للسجون في مصر !!! .. أقول :
بعد أسبوع من ذلك التاريخ فقد وافق برلمان الانقلاب على العديد من القوانين الاستثننائية؛ لترسيخ ما هو أشد وأنكى من حالة الطوارئ، وهي قوانين الإرهاب، والعقوبات وحماية المنشآت .
وفيما يلي نذكر بعض المواد أو الفقرات التي  جاءت فى تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، وهي مواد لا تختلف في شيء عن قانون الطوارئ غير أن قانون أو حالة الطوارئ مؤقتة أما هذه فدائمة !!  : -
 * "يحظر تصوير، أو تسجيل، أو بث، أو عرض، أية وقـائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، ويعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر ، ويحكم فضلا عن ذلك بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محو محتواها ، أو إعدامه ، بحسب الأحوال".
*  "لقائد الانقلاب متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية أن يصدر قرارًا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام ، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، علـى أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر ، وكـذا تحديـد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير".
*  تسمح المادة 40 من قانون "مكافحة الإرهاب" للأجهزة الأمنية باعتقال الأشخاص في غير حالات التلبس ودون أمر قضائي تحت مسمى "التحفظ" وهو يشبه لحد كبير نص المادة 3 من قانون الطوارئ !! . 
* "تتشكل دوائر خاصة بمحاكم الجنايات لنظر "القضايا الإرهابية" وتقضي دوائر المحاكم الابتدائية في الطعون على أحكامها وهو وضع مماثل لـ"محكمة أمن الدولة" ذات الأحكام النهائية . 
فنجد هنا أن التعديل كرَّس حالة الطوارئ وجعلها حالة دائمة  بهذه القوانين الاستثنائية التي ترسِّخ  للقمع والقهر ، ولاتحتاج إلى تمديد بين الحين والآخر ، مع ما ترسله من رسالة سلبية للغرب وأمريكا مع كل تمديد لحالة الطوارئ . 
وهذه التعديلات التي وافق عليها برلمان الانقلاب تعطي رسالة واضحة من النظام الانقلابي بأنه لا تراجع عن حالة القمع والقهر والدكتاتورية  والحكم بالحديد والنار .
وأن كل من تسول له نفسه أو يطمع في تغيير الوضع القائم بأى صورة سلمية كانت  فسيكون مصيره الاعتقال والسجن .
 وهو مايعنى ببساطة شديدة أن "الزفة الكذابة" التى صاحبت الإعلان عن إلغاء حالة الطوارئ لم تكن إلا مجرد دعاية كاذبة ، وأن التبشير بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ما هو  إلا من باب ذر الرماد فى العيون . 
وبجانب تعديل قانون مكافحة الإرهاب فقد مرّر برلمان الانقلاب تعديلًا يقضي بحذف المادة الخاصة بتحديد مدة تطبيق قانون حماية المنشآت العامة، ليتم العمل به بشكل دائم شأنه شأن جميع القوانين العادية الأخرى ، لتكون مشاركة القوات المسلحة لجهاز الشرطة في حماية منشآت مثل : محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديد وشبكات الطرق والكباري وغيرها بشكل دائم .
ويكون القضاء العسكري المختص بنظر جميع القضايا التى تستند لهذا القانون بشكل دائم أيضاً ، وليس القضاء العادى ولا النيابة العامة .
وبالمناسبة .. فإننا هنا لا نعترض على حماية المنشآت الحيوية هذه ، ولكن اعتراضنا القصد منه : إن قام الجيش بعمل الشرطة فما هو الفرق بينهما؟!. 
ومن سيقوم بحماية الحدود؟!. 
ولماذا تتم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية؟!... إلخ. 
فالحقيقة أن مايحدث ما هو إلا تكريس لإرهاب الدولة ضد المواطنين، وتكميم الأفواه وصرف الأنظار عن فساد المؤسسة العسكرية وتغولها، وهيمنتهما على سائر القطاعات والأنشطة الاقتصادية فى البلاد، وعسكرة المنشآت والمؤسسات الحيوية .
فقد جعل القانون فساد المؤسسة العسكرية مسألة أمن قومي، وبالتالي فلا يصح تناولها عبر وسائل الإعلام، أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولا حتى أمام مجلس الشعب !!
لذلك فيمكننا القول بأن إلغاء حالة الطوارئ التى تمت قبل أسبوع هو مجرد خداع بصري لا أكثر في ظل وجود قانون مكافحة الإرهاب هذا وتعديلاته الكارثية!! .
 لقد انتقلت مواد قانون الطوارئ عن عمد  إلى قانون مكافحة الإرهاب، وهو ما حوّل مواد قانون الطوارئ إلى نصوص قوانين دائمة، وساعد على شرعنة الطوارئ الدائمة .
وبالتالي فإن إلغاء حالة الطوارئ المزعوم  .. لم يحقق فى الواقع أي تحسن فى حالة حقوق الإنسان ولا إلغاء القوانين سيئة السمعة . 
لأن النصوص الاستثنائية التى تبيح القبض والتفتيش والحبس دون تقيد بقانون الإجراءات الجنائية تم نقلها لقوانين أخرى لا تتطلب وجود حالة الطوارئ . 
وهكذا يحاول النظام الانقلابى تقنين القمع والإرهاب عبر ترسانة من القوانيين الاستثنائية ، في الوقت الذى كثر فيه الحديث عن استرتيجية حقوق الإنسان لمغازلة الغرب وأمريكا وتبييض وجه النظام فى الخارج .
 ويسعى النظام الانقلابي كذلك لجعل القوانين الاستثنائية مستدامة لاستمرار هيمنة العسكر على السلطة التي تم اغتصابها بعد انقلاب 3يوليو المشئوم .
وهذا يذكرنا بقول نيلسون مانديلا: "الفاسدون لايبنون وطناً، وإنما يبنون ذواتهم ويفسدون أوطانهم" !!!