يختلف الناس، ولا بد أن يختلفوا، ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة، لكنه سبحانه شاء لهم الاختلاف، فلا يزالون مختلفين، ولذلك خلقهم، خلقهم يحملون بين جوانبهم كل أسباب الاختلاف، من اختلاف البيئات واختلاف العقول، واختلاف القواعد وطرق التفكير، واختلاف الأذواق والمشاعر، واختلاف الأولويات، واختلاف ما يتوافر من الأدلة والبراهين، فكل ما فى الناس وما لديهم يؤدى بالضرورة للاختلاف فيما بينهم.

وقد خلقهم الله سبحانه على هذه الشاكلة لتحقيق مراده منهم، من إظهار مطلق قدرته، وإعلان وحدانيته وتفرده بالحكم والأمر، ومن بيان ضرورة البعث بعد الموت، ومن ثم الجزاء العدل بين الناس، ومن حكمته سبحانه فى خلق الناس مختلفين اختبارهم، وابتلاء بعضهم ببعض، {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}  

 وعند الخلاف والاختلاف قد يكون الحق واضحًا فى جهة أحدهم دون غيرهم، وأحيانا قد لا يكون، لاسيما حينما يختلف الأخيار من المؤمنين الصالحين، الذين يحسن الظن بهم، ولا نعلم عنهم إلا الخير، حينها قد يتحير الناس، وحق لهم أن يتحيروا، قد يتحيرون بين دعاوى الفرق المختلفة، وقد لا يكون لديك من البينات ما يرجح موقف فئة على أخرى، فماذا عساك تفعل؟ وكيف تحكم لأحد من دون توفر البينات والدلائل؟ وكيف تطمئن لحكمك؟ 

وهنا قد يكون من النافع المفيد أن نعلم بعضًا من صفات أهل الحق، المستمسكين به، الذين لا يتسلل لباطل والشيطان إلى صلب قضيتهم، وأساس بنيانهم، وإن وسوس لهم الشيطان على عادة البشر، يوسوس لهم فى خاصتهم ومفرد أحوالهم وعملهم، فهم أهل الحق المعتصمين به، من غير أن يكونوا معصومين عن الخطأ الفردى البشرى المعلوم. 

 ومن جملة علامات أهل الحق حسن الخلق، ورعاية الحقوق عند الاختلاف، وحفظ العهود والمواثيق، والحرص على الحق دون الانتصار على المخالف، واتهام النفس دون اتهام الغير، والإنصاف من النفس، والتصريح بفضل كل ذى فضل، والاعتراف بالخطأ والتقصير، والثقة بالله، وبنصرته- سبحانه- للحق وأهله.

فأهل الحق المستمسكون به، الواجب على كل عاقل مساندتهم وتكثير سوادهم، إن لم يستطع أن يكون منهم، أهل الحق هؤلاء لا تغريهم خصومة، ولا تستفزهم المهاترات، هم أهل عدل وحق، أهل صدق وخلق، أهل وفاء وكرم، لا يجحدون، ولا يبخسون الناس أشياءهم، لا يهدمون ما بنى الفضلاء، ولا يحقرون عمل غيرهم ولا اجتهادهم، تعلوهم السكينة والوقار، ويتملكهم الخوف من الله، ترى الورع فى أقوالهم وأفعالهم ونظراتهم، ورعٌ يحبس ألسنتهم عن كل سوء، ويصون سرائرهم عن كل ظن لا يليق، ويعصمهم عن كل فعل مستقبح، لا يسارعون إلى نقيصة أو شر، ولا يفرحون لخطأٍ أو معصية ولو كان من مخالفهم، يدعون الله أن يهديهم ويهدى من يخالفهم لما فيه الخير والصلاح، لا يعتدون، ولا يردون السيئة بمثلها، إنهم فى سجن من الحدود والقيود، لا يستطيعون منه فكاكًا، ولا يحبون.

بينما غيرهم ممن خالفهم، وابتعد عن الحق، ممن غرتهم نفوسهم، وسول لهم الشيطان أعمالهم، يمرحون فى ساحات الاتهام بالباطل والادعاء بالباطل، أنستهم الخلافات حسنات الناس، وأخرجهم الغضب عن حد الاعتدال والإنصاف، حينما تستمع إليهم، تراهم يخلطون خلطًا بين حقهم الذى يزعمون وهواهم الذى لا يستطيعون له إخفاءًا، تسمع سيء الكلمات وباطل التهم تتسرب من أفواههم، وأحيانا دون أن يشعروا به، لا يخفون تزكية نفوسهم، وتزكية أعمالهم، فهم ينسبون لأنفسهم كل فضيلة، ولو كانت فضائلهم أمنياتٍ وأحلامًا، ويلصقون بغيرهم كل النقائص، ولو كانت تلك النقائص تهمًا بلا دليلٍ، أو رأيًا يحتمل الخلاف،  ويحملون غيرهم عبء كل فشل، ويمنون الناس الخير على أيديهم إن استسلموا لزعمهم، يوزعون على الجميع الأوصاف والتقديرات، وكأنهم صاروا الحكام على الناس وعلى مصائرهم!  

وبالجملة فإن أخلاق الناس معيار الحكم على مدى تمسكهم بالحق، لاسيما عند الاختلاف، أخلاق الناس معيار على مدى التزامهم بالكتاب والسنة، معيار على مدى توافقهم مع مبادئ هذه الدعوة الكريمة، ومدى صدقهم مع أنفسهم، ومدى صدق زعمهم فيما يحملون من هم هذه الدعوة، ومدى حرصهم على واقعها ومستقبلها، ومدى قدرتهم على تحقيق ما يقولون.

وصدق من قال: وليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خرابا. هكذا قال الشاعر الحكيم، وما أصدق قوله! وكيف لا! وقد روىعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} رواه أحمد.