نظرة فاحصة

نرى في أقطارنا الإسلامية جماعات وهيئات إسلامية تعمل في حقل العمل الإسلامي، ونرى كلاً منها وقد اختارت لنفسها إطاراً ومنهاجاً للعمل قد يختلف عن منهاج غيرها في بعض  الجوانب، فنجد منهم من يركزون على أمور العقيدة ونقائها من الشوائب، ومنهم من يهتمون بالعلم وتحقيق الأحاديث النبوية وتوثيقها، وهناك من يهتمون ببناء المساجد واتباع السنة والتفقه فى الدين، وغيرهم يهتمون بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  و البر بالمسلمين دون التعرض للسياسة ، وهناك من يركزون على الجهاد ومواجهة الأعداء بالقوة ، كما نرى بعض الطرق الصوفية المتعددة، وكذلك من يفاصلون غيرهم لتشككهم فى عقيدتهم، وقد يحكمون على غيرهم بالكفر ، أو الفسق ، كما أن هناك من يعملون لإقامة دولة الإسلام وإعادة الخلافة وتطبيق شرع الله مع الاهتمام بالعقيدة و العبيادة و العلم و الدعوة الى الله و التفقه فى الدين و الجهاد فى سبيل الله .

هذا هو الواقع الموجود فى كثير من أقطارنا الإسلامية فما نظرتنا نحن الإخوان المسلمين نحو هذه الظاهرة ؟ وما واجبنا إزاء هذا الواقع ؟ وما هو الطريق الذى نسلكه لجمع كلمة المسلمين فى كل قطر .

هذه الظاهرة لها إيجابياتها، ولها سلبياتها فهى تدل على اهتمام الأفراد المسلمين بأمور دينهم؛ فقاموا وتجمعوا لسد الثغرات وتصحيح الخطأ ومواجهة التحديات التى يتعرض لهال الإسلام و المسلمون من أعداء الله، وهذا أمر مطلوب، خاصة عندما نرى أنظمة الحكم فى بعض أقطارنا لا تولي هذا الواجب الاهتمام اللائق به ، إن لم تكن تعمل ما يحقق هدف الأعداء فى كيدهم للإسلام و المسلمين.

أما عن سلبيات هذه الظاهرة فتتمثل فى تشتت الجهود وعدم توحيدها لتحقيق أهداف محددة حسب أولوية الأهمية، كما أن اهتمام بعض هذه التجمعات بجوانب من الإسلام دون غيرها لايؤهل أفراد تلك التجمعات للعمل العام الكلى الذى تمليه طبيعة المرحلة التى تعيشها الدعوة الإسلامية خاصة بعد سقوط دولة الإسلام و الخلافة الإسلامية، ومن السلبيات أيضاً قيام بعض الشباب ممن لم يكتسبوا الخبرة و التجربة فى حقل الدعوة الإسلامية بتزعم بعض هذه التجمعات وتعريضها إلى أخطاء ومخاطر ، وعدم استفادتها من الدروس و العبر التى اكتسبها من سبقوهم على طريق الدعوة .

أما عن واجبنا وموقفنا من هذه الجماعات والهيئات فهو ما يمليه علينا ديننا من الحب و المودة و التناصح و التعاون على البر و التقوى وتفادى الخلاف و التنازع و العمل على الوحدة امتثالاً لقول الله تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } آل عمران الآية 103 وهذا الموقف هو ما عبر عنه الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر الخامس حيث يقول: ( أحب كذلك أن أفصح لحضراتكم عن موقف الإخوان المسلمين من الهيئات الإسلامية فى مصر ، ذلك أن كثيراً من محبى الخير يتمنون أن تجتمع هذه الهيئات وتتوحد فى جمعية إسلامية ترمى عن قوس واحدة، ذلك أمل كبير وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح فى هذا البلد، والإخوان المسلمون يتمنون لها جميعاً النجاح، ولم يفتهم أن يجعلوا من مناهجهم التقرب منها و العمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة ) .

وعندما نحاول تشخيص الداء لنتعرف على الدواء نجد أن مجتمعاتنا الإسلامية قد أصيبت بكثير من العلل والأمراض فى عقيدتها وعبادتها وأخلاقها ومفاهيمها وعزائمها وتصوراتها وذلك نتيجة لأسباب كثيرة منها انصراف المسلمين الى الدنيا ومتاعها، وتقصير العلماء فى أداء واجبهم نحو الشعوب ومحاسبة الحكام ونصحهم، وكذلك نتيجة لاحتلال الأعداء لبلادنا الإسلامية وغزوهم لمجتمعاتنا بكل ألوان الفساد والانحلال بل الإلحاد ، كما أبعدوا الشريعة الإسلامية عن الحكم وسلطوا عملاءهم من الحكام لمحاربة الحركات الإسلامية و الدعاة الى الله كما تعرضت أقطارنا الإسلامية وما تزال إلى حكم دكتاتورى متسلط يركن الى الغرب أو إلى الشرق وينفذ سياستهم فى تخريب الوطن والأفراد ومحاربة الداعين الى الله .

فالواجب يملى علينا أن نعذر الكثير من عامة المسلمين لجهلهم ووقوعهم تحت تأثير هذه العوامل وأن نأخذ بأيديهم لنصحح لهم مفاهيمهم وتصوراتهم وما وقعوا فيه من أخطاء وانحرافات بدلاً من أن نفاصلهم أو نحكم عليهم بكفر أو شرك أو فسق ، وأن يتم ذلك فى جو من الحكمة و الموعظة الحسنة و العلاقة الطيبة ، وقد يظن البعض أن علاقتنا الطيبة ببعض هؤلاء تعنى إقرارنا لمخالفاتهم وموافقتنا عليها ولكنها الأسلوب الأجدى لمعاونتهم على التصحيح وتقبل النصح ، كما أننا نوطد أنفسنا على الصبر وتحمل الأذى من بعضهم ونحن ندعوهم ونصحح لهم أخطاءهم ، فلا نقابل الإساءة بمثلها ولا تدفعنا إساءتهم إلى تركهم والإعراض عنهم وعدم الاستمرار فى دعوتهم ونصحهم امتثالاً لقول الله تعالى: { ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم  وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } فصلت الآية 34 . ومن منطلق هذه الآية ومعناها كان الإمام الشهيد حسن البنا يوصينا فيقول لنا : ( كونوا مع الناس كالشجر يرمونه بالحجر ويرد عليهم بالثمر ) .

إن جمهور الشعب هو حقل الدعوة الذى نعمل فيه لإصلاحه ولتخريج العناصر الطيبة منه التى تشعر بالواجب الذى يمليه عليها دينها وهو ضرورة العمل لإقامة دولة الإسلام وخلافته، فإذا فجرنا هذا الحقل بالحكم على أفراده بكفر أو شرك أو غير ذلك فسيعرض عنا ولا يستجيب لما ندعوه إليه ، ولو نظر كل منا الى نفسه لوجد أنه كان من عامة هذا الشعب ثم منَّ الله عليه بمن أخذ بيده الى الطريق الصحيح و الفهم السليم فلنأخذ بأيدى غيرنا كما أخذ غيرنا بأيدينا .

بتصرف من كتاب – وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.