بقلم: ضياء رشوان*
 الصورة غير متاحة

 ضياء رشوان

تُثير الأزمة الواسعة التي أثارتها تدريبات طلاب الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر، قضايا كثيرة تستحق المناقشة الجادة، كما تثير مخاوف كبيرة تستوجب إثارتها ولفت انتباه الرأي العام المصري إليها قبل فوات الأوان، ولا شك أنَّ فورةَ الخلاف حول تطورات تلك الأزمة لم تمنع أقلامًا وأصواتًا كثيرة جادة، من التطرق بدرجة عالية من المسئولية والحرص على مستقبل هذا البلد، إلى عديد من تلك القضايا التي فجرتها الأزمة والتنبيه إلى ما يمكن أن يثيره استمرارها بالصورة التي راحت تندفع بها من مخاطر حقيقية على حاضر البلاد ومستقبلها، ومع ذلك فإن عديدًا من تلك القضايا الملحة، وهذه المخاطر الحقيقية قد غاب عن النقاش العام وراء الغبار الكثيف والضجة العالية اللذين اتسمت بهما معظم ردود الأفعال حول تلك الأزمة.

 

ولعل القضية الوحيدة في هذا النقاش العام المحتدم التي حظيت بقدرٍ من التوافق الواسع حولها من جميع الأطراف حتى المختلفة جذريًّا فيما بينها، هي إدانة ما قام به طلاب الإخوان بالأزهر أو الاعتذار عنه باعتباره مظهرًا لا يتسق مع الرؤية الفكرية والمسلك الحركي لأي قوة سياسية في البلاد، تعتنق فكرة التطور الديمقراطي والتغيير السلمي للأوضاع القائمة في البلاد حاليًا.

 

وعلى الرغم من ذلك التوافق حول جوهر الأزمة نفسه بين مختلف أطرافها، فإنَّ مسارها المتسارع أوضح أنهم مختلفون بعد ذلك في معظم القضايا المرتبطة بها بمختلف أنواعها وأحجامها.

 

فالقضية الأصلية- التي اندلعت الأزمة على أرضيتها والتي هي أكثر اتساعًا وأطول عمرًا منها، أي قضية حرية العمل السياسي والانتخابات الطلابية في الجامعات المصرية- لا تزال محل خلافٍ عميقٍ بين مَن يرون ضرورة توفير الغطاء القانوني اللازم لممارستها- كما هو الحال في مختلف جامعات العالم- وبين مَن ينحازون إلى الوضع القائم في الجامعات المصرية منذ صدور اللائحة الطلابية عام ١٩٧٩م والتي تحظر هذا العمل السياسي بداخل الجامعات، وتضع قيودًا ثقيلة على حرية الطلاب في تشكيل الاتحادات المنتخبة المعبرة عنهم.

 

ويبدو أنَّ تفاصيلَ الأزمة، وحدة الخلاف حولها، قد حالت حتى الآن دون التعرض، بقدرٍ أعمق وأوسع من المناقشة الجدية، لتلك القضية المحورية والسعي للتوصل إلى حلٍّ حاسمٍ ونهائي لها.

 

كذلك فقد غيَّب التركيز على تفاصيل الأزمة كثيرًا من ملامح القضية الثانية الأكثر اتساعًا وخطورةً التي تُمثل الخلفية الحقيقية لما قام به طلاب الإخوان من أفعال، اتفق الجميع على إدانتها أو الاعتذار عنها، وهي اتساع مدى العنف والفوضي في مختلف قطاعات المجتمع بما فيها الجامعات التي بدأت الأزمة في إحداها.

 

فإذا كان الاستعراض الذي قام به طلاب الإخوان، قد مثَّل لكل مَن أدانوه أو اعتذروا عنه، مؤشرًا خطرًا لما يمكن أن يحدث في المستقبل من عنفٍ محتملٍ في الجامعات المصرية وربما في المجتمع كله، فلا شك أنَّ نفس تلك الجامعات وهذا المجتمع، يشهدون يوميًّا ومنذ سنواتٍ طويلةٍ مظاهر لا حصرَ لها لعنفٍ يقع بالفعل وليس مجرَّد احتمالٍ يُخشى منه.

 

ولعل الصور الصحفية والمشاهد التليفزيونية التي تسجل صور ذلك العنف المتنامي في جنبات الجامعات بما فيها عنف "البلطجية" في جامعة عين شمس، وعنف قوات الأمن المدججة بالسلاح ضد أي تحرك طلابي سلمي للاحتجاج في حرم الجامعات وحولها، فضلاً عن المظاهر الأخطر للعنف المجتمعي المتسع حسب جميع التقارير الأمنية والدراسات المتخصصة والملاحظات العينية المباشرة لكل المصريين، تشير كلها إلى الحجم الأكبر والمدى الأخطر الذي باتت قضية العنف الاجتماع