عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات مؤتمراً صحفياً في بيروت، لاستعراض أبرز النتائج وخلاصات التقرير الاستراتيجي الفلسطيني الذي يغطي سنتي 2020–2021 ولاستعراض المسارات المستقبلية المتوقعة للسنتين المقبلتين.

واستعرض محرر التقرير الاستراتيجي ومدير عام مركز الزيتونة محسن محمد صالح باستعراض هذه النتائج بحضور مجموعة من الخبراء والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.

وأوضح "محسن" أن هذا التقرير الذي يصدر للمرة الثانية عشرة على التوالي يُعدُّ مرجعاً أساسياً للدراسات الفلسطينية العلمية الشاملة والمتخصصة، والذي تمكن من تغطية الفترة 2005–2021 على مدى17 عاماً حتى الآن.

الوضع الداخلي الفلسطيني

لاحظ التقرير استمرار أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، وغياب البرنامج الوطني الذي يضبط الثوابت ويدير المرحلة.

ورصد استمرار تدهور مكانة منظمة التحرير ومؤسساتها واستمرار تآكل السلطة الفلسطينية، وتحوّلها بشكل أكبر إلى أداة وظيفية.

 ونبّه إلى أن رئاسة السلطة شدَّدت قبضتها على المؤسسات الرسمية التنفيذية والتشريعية والقضائية، ووسعت صلاحياتها على حسابها.

وأشار إلى حالة الإحباط التي أصابت الشارع الفلسطيني نتيجة تعطل الانتخابات وتعثُّر عملية إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، مع تراجع الثقة بالقيادة الفلسطينية الحالية بحسب استطلاعات الرأي العام.

وتوقع التقرير استمرار أزمة المشروع الوطني والمؤسسات الرسمية الفلسطينية، طالما ظلت العقلية نفسها تقوم بقيادتها، وازدياد الضغوط الفصائلية والشعبية باتجاه تشكيل قيادة فلسطينية انتقالية.

 وتحدَّث عن فرصٍ معقولة لتشكيل جبهة أو اصطفاف وطني فلسطيني داعم لخط المقاومة، وضاغط باتجاه إعادة بناء المؤسسات الرسمية الفلسطينية على أسس تمثيلية حقيقية في الداخل والخارج.

ونوه إلى فرص أفضل للعمل الشعبي الفلسطيني لمحاولة ملء الفراغ الذي أحدثه تعطّل مسار المصالحة وتدهور أو تعطّل مؤسسات منظمة التحرير.

المؤشرات السكانية

أوضح التقرير أن عدد الفلسطينيين يبلغ نحو 14 مليوناً نصفهم تقريباً في الخارج 50.2%، ونصفهم يقيمون في فلسطين التاريخية (49.8%).

وبين أن أكثر من ثلاثة أرباع فلسطينيي الخارج يقيمون قرب فلسطين وخصوصاً في الأردن.

ونبه إلى أن لاجئي الشعب الفلسطيني تزيد نسبتهم عن الثلثين (نحو 67%) معظمهم يقيمون في الخارج، بينما يقيم نحو 2.4 مليوناً داخل فلسطين التاريخية وخصوصاً الضفة والقطاع.

وأشار إلى أن أعداد الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية ستتجاوز أعداد اليهود هذه السنة 2022 لتصل إلى نحو 7.1 مليون نسمة، وستزيد أعدادهم عن أعداد اليهود بنحو 300 ألف بعد خمس سنين نهاية 2026.

المؤشرات الاقتصادية للضفة والقطاع

استعرض التقرير واقع الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع، وهيمنة الاحتلال الصهيوني عليه، ونبه إلى أن الناتج المحلي للكيان الصهيوني يزيد بنحو 25 ضعفاً عن مثيله الفلسطيني في سنة 2021، كما يزيد دخل الفرد الصهيوني عن مثيله الفلسطيني بنحو 15 ضعفاً، مما يؤكد بشاعة الاحتلال، وبشاعة إجراءاته بحق فلسطين وشعبها.

وأوضح أن 84% من صادرات السلطة تذهب إلى كيان الاحتلال، بينما تستورد السلطة 55% من وارداتها من دولة الاحتلال نفسها.

 وأشار التقرير إلى أن معظم إيرادات السلطة تعتمد أساساً على مصادر لا تتحكم بها إذ جاءت أكثر من 80% من إيرادات المقاصة التي يجمعها الاحتلال الصهيوني والمساعدات الدولية.

ونبه التقرير إلى المعاناة الهائلة لقطاع غزة تحت الحصار على مدى 15 عاماً، والصمود البطولي لأهلها، والمواجهة القوية للعدوان الصهيوني.

العدوان والمقاومة

وأفرد التقرير فصلاً للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وللمقاومة الفلسطينية في مواجهته.

 وقدم تقارير إحصائية عن عمليات المقاومة في سنتي 2020-2021، وأعداد الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين، والإصابات في الجانب الصهيوني.

 ونبه إلى اعتراف الصهاينة بـ 1,513 عملية للمقاومة سنة 2020، وبما مجموعه 4,386 عملية سنة 2021 مع وجود نسبة لا بأس بها من العمليات المؤثرة، بينما اتخذت باقي العمليات شكل القنابل الحارقة والمواجهات الشعبية كرشق الحجارة وغيرها؛ هذا مع بروز قوة المقاومة بشكل غير مسبوق في معركة سيف القدس في مايو 2021.

المشهد الصهيوني

ناقش الفصل الخامس من التقرير الاستراتيجي الفلسطيني المشهد الفلسطيني بما في ذلك الأوضاع الداخلية والمؤشرات السكانية والاقتصادية والعسكرية.

 ونبه إلى أن المجتمع الصهيوني يسير في اتجاهات أكثر تطرفاً دينياً وقومياً، وأن التيارات اليمينية تهيمن على نظام الحكم والمشهد السياسي الصهيوني.

ولاحظ التقرير حالة الارتباك واللا استقرار التي عاشها النظام السياسي الصهيوني الذي نفذ أربع انتخابات عامة على مدى عامين (2019-2021)، وصعوبة تشكيل حكومات مستقرة، وأن الحكومة الحالية غير متجانسة ومهددة بالسقوط في أي لحظة.

وأشار إلى اتجاه نظام الحكم الصهيوني إلى مزيد من "قَوْننة" الهوية اليهودية الصهيونية للكيان الصهيوني، والقيام بمزيد من إجراءات التهويد في القدس وباقي الضفة الغربية.

وأشار إلى أن أعداد اليهود في الكيان الصهيوني بلغت نحو سبعة ملايين نسمة في نهاية سنة 2021، وأن عدد المهاجرين اليهود إلى “الكيان” بلغ نحو 25 ألفاً سنة 2021. وأوضح أن عدد يهود العالم يبلغ نحو 15.17 مليوناً يعيش نحو 46% منهم في الكيان الصهيوني.

وبيَّن التقرير أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على الاقتصاد الصهيوني، وأن خبراء صهاينة تحدثوا عن أسوأ تراجع للاقتصاد منذ إنشاء الكيان في الوقت الذي وصل فيه عدد الإصابات إلى نحو 1.38 مليون إصابة في نهاية 2021. وكل إغلاق كان يكلف الاقتصاد الصهيوني نحو 1.9-2.8 مليار دولار أسبوعياً. كما أن معركة سيف القدس كلّفت العدو الصهيوني نحو 2.14 مليار دولار.

ومع ذلك، فقد ظلّ الاقتصاد الصهيوني ضمن الاقتصادات المتقدمة المقاربة للحالة الاقتصادية في أوروبا، حيث بلغ دخل الفرد نحو 44 ألف دولار.

 وظلّت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر للكيان الصهيوني تليها الصين ثم ألمانيا. واستمرت الولايات المتحدة في تقديم دعم سنوي يصل إلى 3.8 مليار دولار، يُصرف نحو 3.3 مليار منه على شكل منحة عسكرية.

وتناول التقرير المؤشرات العسكرية اللاحتلال، بما في ذلك تطبيق خطة “تنوفاه” لتطوير الجيش الصهيوني ووجود ميزانية عسكرية تزيد عن 21 مليار دولار سنوياً تقع ضمن الأعلى عالمياً مقارنة بعدد السكان. ولاحظ التفوق العسكري النوعي الصهيوني مع صعود “الكيان” ليكون أحد أكبر مصدِّري السلاح في العالم بنحو 8.3 مليار دولار سنة 2020.

وبالرغم من عناصر التقدم والتفوق الصهيوني ووجود بيئة عربية وإسلامية ضعيفة ومتشرذمة، وقوى كبرى داعمة للكيان فقد نبّه التقرير الاستراتيجي إلى أن الكيان ما زال يعاني من تحدّيات حقيقية تتمثل في تصاعد قوى المقاومة خصوصاً في الداخل الفلسطيني، وحصولها على قدرات صاروخية وسيبرانية متزايدة، كما يعاني من بيئة شعبية عربية وإسلامية رافضة للتطبيع وداعمة للمقاومة، ومن حالة لا استقرار في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين، ومن تراجع نوعية القيادات السياسية الإسرائيلية، وتراجع إرادة القتال لدى الجندي الصهيوني وغيرها، وهو سيجعل هذا الكيان في وضع غير مستقر ومحفوف بالتغيرات والتحديات.

الأوضاع العربية والإسلامية والدولية

ناقش التقرير الاستراتيجي في ثلاثة فصول كاملة قضية فلسطين عربياً وإسلامياً ودولياً. وأفرد مساحة واسعة للعالم العربي وخصوصاً دول الطوق: مصر والأردن وسورية ولبنان، وتفاعلها مع الشأن الفلسطيني.

واستعرض تطورات ملف التطبيع، وإقامة كلٍّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات مع الكيان الصهيوني، ووجود علاقات مع دول أخرى لم يتم ترسيمها حتى الآن.

ولاحظ التقرير الدور المصري المركزي في الإدارة العربية للملف الفلسطيني، ورعايتها للقاءات المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، وترتيبات التهدئة ووقف إطلاق النار مع الجانب الصهيوني، ومتابعة ملف صفقة إطلاق سراح الأسرى، وإعادة إعمار غزة، في الوقت الذي فعّلت فيه الحكومة المصرية علاقاتها التطبيعية مع الكيان بشكل كبير.

ورجَّح التقرير تراجع الاندفاعة العربية نحو التطبيع في ضوء الرفض الشعبي، وفي ضوء إفشال الشعب الفلسطيني لـصفقة ترامب، وفي ضوء أن أعباء التطبيع وأثمانه ستكون أكبر مما كانت الأنظمة ترجو تحقيقه؛ خصوصاً أن الطرف الصهيوني يتعامل بانتهازية، ولا يملك فرصاً حقيقية للتحوّل إلى صديق أو حليف.

وناقش التقرير مواقف العالم الإسلامي من قضية فلسطين، ودرس بالتفصيل النموذجَين التركي والإيراني. وأكد أن تركيا حافظت على خطّها السياسي الداعم لقضية فلسطين، وفق حلّ الدولتين، وعلى اعتبار أن القدس خط أحمر، ونبه إلى احتفاظها بعلاقة طيبة مع قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ومع حركة حماس؛ ومع بروزها إسلامياً وعالمياً في انتقاد الممارسات العدوانية الصهيونية.

 ومن جهة أخرى، لاحظ التقرير فصل الجانب السياسي عن الجانب الاقتصادي في علاقتها بالكيان الصهيوني وتطور التبادل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن 6.5 مليار دولار سنة 2021.

وأشار التقرير إلى أن إيران واصلت دعمها لخط المقاومة مالياً وعسكرياً وإعلامياً، وهو ما كان محلّ تقدير قوى المقاومة، كما واصلت التزامها برفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، وهو موقف من المرجح أن تتابعه إيران في المدى المنظور.

واستعرض التقرير الاستراتيجي بالتفصيل الوضع الدولي وقضية فلسطين مسلطاً الضوء على الأمم المتحدة والرباعية الدولية، والمواقف الأمريكية والأوروبية ودول البريكس وتحديداً الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا.

 ولاحظ استمرار النمط العام للسلوك الدولي وطريقة التصويت في الأمم المتحدة، كما لاحظ تزايد التعاطف الشعبي العالمي مع قضية فلسطين.

 وتوقَّع تراجع الدعم المالي للسلطة الفلسطينية والأونروا، كما توقَّع عدم ممارسة أي ضغوط حقيقية على الجانب الصهيوني؛ مع احتمال محاولة الولايات المتحدة التأثير على اختيار الرئيس الفلسطيني القادم في حال شغور المنصب.