أحمد حسن فرحات

رحم الله أخانا أبا أسامة -الدكتور صلاح الخالدي- وأسكنه فسيح الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فلقد عادت بي الذكريات  إلى أيام عملي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -أيام كان طالبا في الدراسات العليا- حيث زارني في بيتي في الرياض- مع مجموعة من زملائه الفلسطينيين والأردنيين -للاستشارة في موضوعات البحوث التي يمكن أن يكتبوا فيها في درجة الماجستير، وقد ذكرت لهم عدة موضوعات كان منها: "سيد قطب والتصوير الفني في القرآن" -وهو الموضوع الذي اختبأته لنفسي- حيث كنت أنوي الكتابة فيه.

غير أن الأخ صلاح -هو الذي التقط الموضوع من بين زملائه جميعا- وطلب أن يكتب فيه، وأن أشرف عليه، فسارعت لإجابة طلبه، لأن هذا الموضوع كان يعيش في نفسي -فإذا لم أكتب أنا فيه- فليكتب فيه أحد طلابي بإشرافي. ومن خلال الإشراف يمكن أن أقول كل ما عندي من أفكار وملاحظات. وهكذا كان، حيث شاركته في وضع خطة البحث، ووجهته إلى المصادر التي تفيده فيه، وكنت أتابعه متابعة دقيقة في جميع مراحل البحث، وأذكر له ملاحظاتي على ما يكتب، وأوجهه إلى بعض الجوانب التي أغفلها، وأشهد أنه كان سريع الاستجابة لكل ما أشير به عليه.

ولما كان الموضوع- موضع قناعتي واهتمامي-كنت أشير على الأخ صلاح بكل ما يمكن أن يفيده حتى في الأمور التي لم تكن تخطر على البال، وأذكر من ذلك:

أنني سمعت يوما بأن الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار-العالم اللغوي المكٍّي- يزور الرياض وينزل في أحد فنادقها، فاتصلت بالأخ صلاح وقلت له: استعد لمقابلة الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار-الصديق الحميم لسيد قطب - فعنده من المعلومات عن "سيد" ما ليس عند غيره، ومررت بسيارتي على الأخ صلاح، وذهبنا معا للقاء الأستاذ العطار حيث احتفى بنا احتفاء بالغا- لما علم أن الأخ صلاح يكتب عن سيد-. وتحدث عن سيد قطب حديث المحب العاشق وعن ذكرياته معه، وكان مما تحدث به- عن كرم سيد-:

أن أحد أصدقائه كان يزوره في منزله ويريد الزواج، ولكنه لا يجد الأثاث المناسب لمسكن الزوجية، فلم يكن من الأستاذ سيد إلا أن تبرع له بالأثاث الذي في منزله.

ولقد ذكر كثيرا من ذكرياته مع سيد، ثم ذكر قصة عن سيد، وقال للأخ صلاح: هذه القصة للعلم، وليست للنشر- وقد ذكرها الأخ صلاح بعد ذلك- دون أن يشير إلى اسم الدولة التي ينتمي إليها السفير--:                                                                                                 

وخلاصتها: أن سيد قطب أعلن أنه يريد إنشاء مجلة -بمائة سهم، لمائة مشارك-حتى لا يكون لأحد وصاية عليها، وتأثير على حريتها. ولقد اتصل سيد بصديقه أحمد عبد الغفور عطار، وطلب إليه زيارته في منزله، ولما وصل الأستاذ أحمد قرب المنزل: وجد سيارة لأحد السفراء العرب، فلما دخل المنزل وجد سفير أحد الدول العربية- وقد وضع على الطاولة رزمة من المال-قدمها السفير لإنشاء المجلة بدلا من المائة سهم التي أعلن عنها سيد. فقال سيد: إن هذا السفير جاء يشتري دين سيد قطب وعقيدته بهذا المال، ولولا أنه كان في منزلي لكان له معه شأن آخر.   ثم قال سيد إن مثل هذه المحاولة جرت معه في أحد فنادق دمشق أثناء زيارته لكلية الآداب في جامعة دمشق عام 1954.                                                                                                

ولما انتهى الأخ صلاح من رسالته أشرت على زميلنا الشيخ محمد الراوي-رحمه الله-رئيس القسم آنذاك- بأن يكون في لجنة المناقشة: الأستاذ محمد قطب، كذلك رغب الشيخ الراوي في أن يكون مناقشا، وتألفت اللجنة مني باعتباري مشرفاً، ومن الشيخ محمد قطب مناقشاً، والشيخ محمد الراوي مناقشا. وتمت المناقشة سنة 1980م، وكانت الرسالة بعنوان: (سيد قطب والتصوير الفني في القرآن) وجاءت في قسمين: القسم الأول عن حياة سيد قطب، والثاني عن التصوير الفني في القرآن.

وكانت قاعة المناقشة ممتلئة بالحضور، وجاء عدد كبير منهم، ليسمع كلام الأستاذ محمد قطب، الذي أخجل الباحث- وهو يثني على الرسالة، والجهد المبذول فيها- حتى إنه قال: لو تقدم الطالب بالقسم الأول من الرسالة فقط، لاستحق الماجستير عن جدارة! وكانت المناقشة أشبه بمهرجان علمي- لم تتسع له قاعة المحاضرات في الجامعة- مما جعل الجمهور يملأ الأفنية والممرات الملحقة التابعة للمبنى.. ولما سئل الأستاذ محمد قطب- في إحدى محاضراته- عن أخيه سيد، قال اسألوا الدكتور صلاح الخالدي-اعترافا بسعة ما جاء فيها عن حياة سيد-.

ولما قدم الباحث "صلاح" رسالة الماجستير للطباعة: أحب أن يقدم له الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي -صديق أستاذه المشرف، ورفيق حياته- والذي كان يسمع منه دائما ثناء عليه، فلم يسع الأستاذ الطنطاوي إلا أن يستجيب لطلبه، وأن يكتب له المقدمة، وقد أثنى الأستاذ الطنطاوي- في مقدمته- على الرسالة، وعلى الجهود المبذولة فيها، في جزأيها: الأول المتعلق بترجمة سيد، والثاني المتعلق بنظرية التصوير الفني، حيث قال في تعليقه على الجزء الأول:

"إن ما كتبه المؤلف- يقصد الباحث صلاح- هو جهد ضخم، قدمه في تواضعٍ جم، وإنه خيرُ كتاب صدرَ عن سيد، فهو يترجم له ترجمة دقيقة، يبرز فيها شخصية سيد الأديب، وسيد السياسي، وسيد الداعية الحكيم المحنك...، وهذه الإيجابيات تثلج الصدور من جهة، إذ تبين عبقرية هذا الرجل العملاق، ولكنها تؤلم من جهة أخرى، إذا قارنا حياة سيد بحياة من نعايشهم اليوم من العاملين في الحقل الإسلامي....، ولعلها تكون مهمازا يدفع هؤلاء إلى أن يكونوا مثله، وعيا وإخلاصا وحركة، وزهدا بهذا الحطام الذي يشوه النفوس، ويخالف بين الصفوف، ويجعل الدعاة كسائر الناس لا يكادون يتميزون منهم، ولا يرتفعون عنهم إلا قليلا...."

ثم ختم مقدمته بالنص التالي: لقد اكتشف المؤلف-الباحث صلاح- مفتاحين لدراسة سيد للقرآن الجليل...

أولهما: المفتاح الجمالي المتمثل في نظرية التصوير الفني، الذي برز في كتابه "التصوير الفني في القرآن " وفي بعض المواضع من كتبه وكتاباته الأخرى.

وثانيهما: المفتاح الحركي الذي برز في كتابه العظيم (في ظلال القرآن).

ولئن أخرج المؤلف كتابه الثاني عن المفتاح الجمالي، فإنه وعد أن يتابع المسير في إصدار كتاب عن المفتاح الثاني الحركي .....، وإننا لمنتظرون.                                                                              

ثم يتابع الأستاذ الطنطاوي حديثه عن المفتاح الجمالي قائلا: ولئن أفاد النقاد ورادة الجمال من هذا الكتاب، فإن الجمهرة الكبيرة من تلاميذ سيد والمعجبين به يتطلعون إلى الكتاب الثالث الذي يتناول الجوانب الحركية التي وعاها سيد وهو يعيش في ظلال القرآن.
وأخيراً...

لا يسعني إلا أن أشد على يد المؤلف، مباركاً وطالباً منه أن يفي بما وعد، وننتظر، فتفرغه لدراسة سيد، وتخصصه بعالمه الوسيع، كفيلان بهدايته إلى جوانب أخرى لا تقل ثراء ولا روعة عن هذه الجوانب التي وعاها فكتب بها... خاصة وأن الأستاذ المشرف هو الدكتور أحمد فرحات، التلميذُ النجيب لسيد، والمعجبُ به منذ يفاعته...، ولعلَّ جهود الرجلين: الأستاذ والتلميذ، تقضي من نفوسنا حاجة...، بل حاجات...، وتخدم الدعوة الإسلامية من خلال الحديث عن عبقري من رجالها....، وعندئذ..... نستطيع أن نطمئن إلى مسيرة الدعوة، وإلى أن أبناءها البررة الذين آلوا على أنفسهم أن ينتصفوا لمعلميهم، ويرفعوا الظلم الذي حاق بهم، وإلى لقاء قريب، في كتاب جديد، والسلام على سيد في الخالدين.

ثم جاءني الأخ صلاح-بعد مناقشة رسالة الماجستير- يستشيرني في موضوع رسالة الدكتوراه فقلت له: أكمل مشوارك مع سيد قطب، واكتب عن " في ظلال القرآن"-دراسة وتقويم- وهكذا كان. فقد شاركته في وضع خطة البحث، وتابعته بالملاحظات والتوجيهات -كما في رسالة الماجستير-.

ثم حصل على درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن سنة 1984م من الجامعة نفسها، وكانت الرسالة بعنوان: (في ظلال القرآن – دراسة وتقويم) وكانت لجنة المناقشة تتألف مني باعتباري مشرفا، ومن الأستاذين الجليلين: الشيخ مناع القطان-رحمه الله- الأستاذ في الدراسات العليا في الجامعة، والأستاذ الدكتور عدنان زرزور -الأستاذ بجامعة قطر-.

ولا شك بأن الأستاذ الطنطاوي اطلع بعد ذلك على ما أصدره الأخ صلاح مما كان ينتظره منه.

حيث صدرت رسالة الدكتوراه عن كتاب" في ظلال القرآن" بثلاثة أجزاء  - تمثل المفتاح الحركي- والأجزاء هي: مدخل إلى ظلال القرآن، والمنهج الحركي في ظلال القرآن، وفي ظلال القرآن في الميزان-وهو ما كان ينتظره الأستاذ الطنطاوي-من إنجاز الوعد.

وفي لقاء مجلة الفرقان مع الدكتور صلاح سأله المحاور عن الميزة التي يتميز بها الظلال عن باقي كتب التفسير؟ فأجاب:

سيد قطب كان عنده مبدأ: ما قاله الناس لا يعيد قوله، إنما كان يضيف إلى ما قاله الناس. فسيد في (تفسيره) لم يقف أمام تحليلات القرآن البيانية واللغوية وغيرها فهذا موجود في التفاسير السابقة، إنما أضاف معان جديدة غير موجودة في التفاسير السابقة، فلهذا (الظلال) لا يغني عن غيره ولا يغني عنه غيره، (الظلال) هدفه: بيان روح القرآن، كيفية الحياة مع القرآن، كيف يدخل المؤمن عالم القرآن، ويخرج منه صاحب رسالة، يحمل رسالة القرآن ويواجه أعداء الله، هذه المعاني ركز سيد عليها، سيد علَّمنا كيف نواجه الحرب التي شنها الأعداء على القرآن. السابقون لم يتكلموا فيها لأنهم كانوا يكتبون لأناس كانوا يعيشون مع القرآن، فكانوا يقدمون للناس ثقافة تفسيرية. سيد لم يقدم ثقافة تفسيرية، سيد قدم للناس منهجاً تربويّاً حركيّاً مع القرآن، سيد أراد تخريج الشخصية الإسلامية القرآنية، عندما تقرأ (الظلال) تصاغ صياغة قرآنية من جديد؛ فتخرج من الظلال وأنت جاهز لكي تستوعب العلم القرآني بشكل دقيق. بعدها اذهب إلى باقي كتب التفسير، وابدأ من جديد ادرس دراسة ثقافية تفسيرية؛ فعندها تجمع ما بين التربية والحركة في (الظلال)، والعلم التفسيري في التفاسير الأخرى.

ويعجبني كلام الدكتور أحمد حسن فرحات عندما كان يقول: (الظلال) كتب الله له القبول لأنه كتب مرتين: مرة بمداد العالم، ومرة بدم الشهيد. فكان العلم نوراً، والشهادة نوراً، و(الظلال) نور على نور.

 ثم قلت للأخ صلاح: أنت يجب أن تكون متخصصا ومرجعا في كل ما كتب سيد قطب، وما كتب عنه، وأن تجمع من تراثه الموزع في المجلات ما تستطيع، وهكذا كان.

فجمع ما كتبه سيد قطب عن أمريكا بعنوان: "أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب" بدلا من كتاب سيد قطب الضائع: " أمريكا التي رأيت". وهكذا نشر بعض الرسائل التي أرسلها سيد لإحدى أخواته بعنوان:" أفراح الروح"....

 لقد استفاد الأخ صلاح من دراسته لسيد قطب استفادة كبيرة، حيث كونت هذه الدراسة لديه قاعدة علمية متينة، انطلق بعدها ليثري المكتبة الإسلامية بمؤلفاته الكثيرة-والتي تقرب من خمسين كتابا-والتي تلبي حاجة الأمة الإسلامية في حاضرها. وساعده في هذا الثراء حرصه على الوقت.

فلا يسمح لنفسه بأن يضيع من وقته شيء، وفي ذلك يقول في حواره مع مجلة الفرقان:

حقيقة: الوقت يذهب بسرعة، ولكن ينبغي على الإنسان أن يحسن استغلاله ويحسن تنظيمه، والبركة تأتي من الله تعالى، ذكرت في أحد كتبي -وهو (الخطة البراقة لذي النفس التواقة)- كيف ينظم المسلم وقته ويستفيد منه فائدة جيدة، حقيقة أنا عندي حرص والحمد لله على الوقت، وينبغي على أحدنا أن يستعين بالله سبحانه، ويحرص على أن لا يضيع شيئاً من وقته فيما لا فائدة فيه، يتقلل من الأمور الاجتماعية والمظاهر التي ليس لها داع مثل الزيارات غير المناسبة، وما يتبقى من الوقت يغتنمه بالاشتغال بالأعمال العلمية، ولابد للإنسان أن يجمع بين الكتابة والدعوة، بمعنى أن يخصص جزءاً من وقته للكتابة والتأليف، ويخصص جزءاً آخر لتعليم الناس وإرشادهم عن طريق الدروس والمحاضرات وغير ذلك، لأن المغالاة في الكتابة فقط وترك الناس بدون دعوة غير مناسب، وأيضاً الانشغال بالدروس فقط دون كتابة لمن عنده القدرة عليها أيضاً غير مناسب، فالحل هو الموازنة بين الكتابة والدعوة ليكون الإنسان رجل علم في جانب، ورجل دعوة في الجانب الآخر.

أما بالنسبة لبرنامجي اليومي فأحب أن أقول –بداية-: إنه ثبت من خلال التجربة أن أفضل شيء استغلال وقت ما بعد الفجر، لأن بعض الناس يضيع هذا الوقت في النوم بسبب السهر إلى وقت متأخر من الليل، برنامجي يبدأ بعد الفجر مباشرة، أستيقظ على الأذان الأول، أصلي الفجر في المسجد والحمد لله، وعندي برنامج تفسير القرآن في المسجد -مسجد عبدالرحمن بن عوف- الحمد لله عندي كل يوم درس تفسير حوالي 7-8 دقائق، أتناول فيه تفسير آية بشكل مختصر، بدأت بهذا الدرس قبل (16) سنة بتفسير سورة الفاتحة، وأوشكت الآن على إكمال تفسير القرآن كله، حيث وصلت إلى سورة الغاشية، لم أتوقف عن هذا الدرس إلا إذا كنت مسافراً أو مريضاً، ولعل هذا أول مرة يحصل في الأردن أن يكمل تفسير القرآن كله في مسجد واحد، وهذا بفضل الله سبحانه، الشاهد أنه بعد الفجر لا أنام، واستغل هذا الوقت الثمين المبارك، وقت صفاء الذهن، وأنجز فيه أعمالاً جيدة، ثم استغل الفترة من الشروق حتى الظهر بالكتابة والتأليف، ثم أذهب إلى الجامعة وغالباً تكون محاضراتي بين الظهر والعصر، أما فترة ما بعد العصر فتكون للدروس العامة للناس، أما في الليل فأنا لست ليليّاً وأحرص على النوم مبكراً، حتى إني في ليالي الصيف أنام بعد العشاء مباشرة

 كما ساعده على ذلك إخلاص في العمل، ومواكبة للحركة الإسلامية المعاصرة في نشاطها، فبقي- على العهد- ملتزما بالخط الأصيل، لم يغير ولم يبدل. لقد كان الأخ صلاح وفيا كل الوفاء: لسيد قطب، ولكتبه ومؤلفاته، فحينما أخبر بأن أحد الإخوة المصريين يريد أن يعيد طباعة " في ظلال القرآن"- إلى طبعته الأولى- غضب غضبا شديدا، وكتب إليَّ هذه الرسالة:

فضيلة أستاذي الدكتور احمد فرحات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أخبرني الأخ أيمن ...اليوم أن بعض الاخوان المصريين يريد إعادة طبع الطبعة الأولى من الظلال.. لتحل محل الطبعة المنقحة المنتشرة...وقد رددت عليه رافضا هذا العبث... فأحببت أن أسمعك ذلك.. والأمر اليك استاذي الكريم الفاضل...

وقد كتبت إليه جوابا على رسالته: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فسأحاول غدا أن أبحث عن بعض الإخوة- الذين يمكن أن يكون لهم تأثير في هذا الأمر- ليوقفوا هذا العبث، الذي يدل على عدم إحساس بالمسؤولية، وعدم تقدير لنتائجه. ولكم الشكر والتقدير على متابعة الموضوع، وليس ذلك غريبا على الأخ صلاح، فهو خير من يقدر خطورة هذا الأمر. فجزاك الله خيرا على هذه الغيرة. والمفروض في من يفكر بمثل هذا: ان يستشير الأخ صلاح- الذي عاش طويلا مع تراث سيد، وعرف منه مالم يعرفه غيره-كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد قطب-حين سئل عن أمر يخص أخاه سيد، فقال: اسألوا الدكتور صلاح الخالدي. وكما كان الأخ صلاح وفيَّا لسيد وتراثه، فقد كان وفيا لإخوانه وأصدقائه والمقربين منه.

 ولقد كان حريصاً على زيارتي في منزلي كل ما قدمت إلى عمَّان، وكان يتحفني بكتبه الجديدة، وكنا نتجاذب أطراف الحديث في هموم الأمة، وما ينبغي عمله في مستقبل الأيام.

رحم الله الأخ صلاح وأجزل مثوبته، وأنزله في عليين- منازل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين-.

إننا نعَزٍّي فيه أنفسنا، كما نعَزٍّي الأمة الإسلامية بفقدها لواحد من علمائها البررة، والذي نذر نفسه لخدمتها بما كتب وألَّف وحاضر، كما نعزٍّي الحركة الإسلامية المعاصرة بفقدها لعلم من أعلامها - والذي خط لها في منهجيتها الحركية- معالم واضحة، كما نعَزٍّي فيه الحركة الفلسطينية المجاهدة، وهيئة علماء المسلمين في فلسطين. كما نعَزٍّي أسرة الفقيد، وبخاصة نجله الدكتور"حذيفة" الذي نرجو له أن يكون على خط والده، كما نعَزٍّي أساتذته وطلابه وأصدقاءه، ومحبيه، ومنابر العلم في الجامعات التي درَّس فيها. وإننا على فراقك يا أبا أسامة لمحزونون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

(موقع رابطة العلماء السوريين)