بسم الله الرحمن الرحيم

 ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء:1).

نحمد الله سبحانه وتعالى، ونصلي ونسلم على أكرم خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كانت رحلته إلى السماوات العلا اختباراً لصدق الصادقين وثبات المؤمنين وثقتهم بمن اختاره الله لهذه الرسالة الخالدة، كما كانت مرتقى تربويا وأخلاقيا وتعبديا للجماعة المؤمنة الناشئة.. فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الأحباب:
كان للإخوان المسلمين ولإمامنا الشهيد حسن البنا، يرحمه الله ، اهتماما خاصا بالحديث عن رحلة الإسراء والمعراج، مستخلصا منها الدروس والعبر، التي تدعو إلى جمع صف الأمة على كلمة سواء، و تساهم في بناء صف العاملين للإسلام بناء متينا، ومما قاله – يرحمه الله - في هذه الذكرى:
- "أعتقد أن الإسراء والمعراج مادة أساسية في منهاج التربية الإلهية، وذلك أن الله تعالى أعد رسوله الكريم ليكون سيد المربّين والمعلّمين، فلابد أن يكون بمنزلة من العلم تفوق أيَّ منزلة سواها من منازل البشر؛ ولهذا طاف الله به السموات ليكون إيمانُه رؤيةً ومشاهدةً، وليس إيمانًا نظريًا".
- "من لطائفها ذكر المسجد الأقصى مع أن المسجد الأقصى لم يكن مسجدًا اصطلاحًا، بل معبدًا، فإطلاق الله تعالى عليه "مسجدًا " فيه حافز للمسلمين ليفتحوا هذا المسجد، وليعمروا هذه البقعة المباركة، ويناضلوا عنها، ويحافظوا عليها، حتى لا يخرج من أيديهم، وفيه بشارة بأنه سيكون مسجدًا، وأنه سيظل كذلك ولو كره الكافرون".
- و"أن الله تعالى كأنه قال لهذه الأمة: يا أيتها الأمة التي لم يرض الله لنبيها إلا مطالعة هذه العوالم تشريفًا للقدرة، لا تكوني في ذيل الأمم، ولا ترضي بالدون، ولكن إلى العلا دائمًا، ولا تظني أن التأسي بالنبي- صلى الله عليه وسلم- في شيء، بل في كل شيء..﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: 21).

"من كتاب "حديث الثلاثاء" للإمام البنا  https://ikhwanonline.com/article/23909

الإخوة والأخوات:
واليوم ...وفي ظل هذه الظروف الفارقة التي تمر بها الأمة، ويُجابه فيها العاملون للإسلام بسيل من الافتراءات،  وكم هائل من الفتن التي تدع الحليم حيرانا، نرى من الواجب أن يعيد كل منا النظر في نفسه، ويستبصر مآلات ما يعتمل في صدره، وما يدعو إليه وما يسير به بين الناس، فالدنيا كلها إلى زوال، ولن يكون في الآخرة إلا الحقيقة المجردة من زيف الهوى وحظوظ النفس ومكاسب الدنيا الرخيصة الزائلة (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة: 119).
وإذا كان لنا من دروس نتوقف عندها في هذه المناسبة، فهي:
1- التزام الصدق والحق، النابع من اليقين بسمو فكرتنا وصفاء دعوتنا، فدعوتنا كما قال الإمام البنا "دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدما في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه :(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) (رسالة دعوتنا)
واذا كان الناس قد انقسموا إزاء حادثة الإسراء والمعراج إلى ثلاث فرق:
 كافرون ازدادوا كفرا على كفرهم .
وحديثو عهد بإسلام، ارتدوا عن إسلامهم
ومؤمنون ازدادوا إيمانا على إيمانهم، ومنهم خليفة رسول الله أبوبكر الصديق رضي الله عنه الذى قال: ( لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدِّقه! قال: نعم، إِني لأصدِّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة"، ولذلك سُمِّي الصدِّيق".  (رواه الحاكم وصححه الألباني)


2- أهمية الإيمان بالغيب والتسليم له وأهمية التدقيق فيما يُقال من أخبار أو يُنقل من معلومات .
فسلامة الصف وتماسكه يقتضيه معنى شعارنا الخالد: "الله غايتنا"، فعلينا أن نحقق ذلك فعلا لا قولا فقط.
وإن من أخطر ما أصاب الصف المؤمن اليوم هو التأثر بما يلقى هنا وهناك من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والانسياق وراءه دون تدقيق أو تمحيص، مع أن الأصل في الجماعة المؤمنة هو تحري الصدق والتزام الضوابط الشرعية مع وضوح الغاية والقصد.
وقد تابعنا في الفترة الأخيرة، باستغراب بالغ، فتح بعض وسائل الإعلام منصاتها لطعن بعض السفهاء ممن ينتسبون للإسلام في حادثة الإسراء والمعراج ، والتشكيك  في نصوص صريحة من القرآن الكريم ، وتتعامى السلطات التي تعد على الناس أنفاسهم عن ذلك .. ولاحول ولا قوة إلا بالله، لكن ما يثلج الصدور أن رد فعل الأمة الرافض لهذا الهراء كان جارفا، كما أن ردود  العلماء المخلصين قد ألقم هؤلاء حجرا وكشف زيفهم.
إنها الحرب غير الشريفة علي الإسلام التي يقودها الطابور الخامس السرطاني بين ظهرانينا طعنا في القرآن الكريم وتشكيكا في السنة النبوية المطهرة وتطاولا على مقام سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم، وسبا لصحابته الأطهار .. وسيكون مآل تلك الحرب هو البوار والخسران لهؤلاء.


 أيها الإخوة والأخوات
نتابع اليوم بغضب بالغ ما يجري من عدوان متواصل علي المسجد الأقصى المبارك وما حوله، وخاصة المحاولات الصهيونية الخبيثة والحثيثة لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، والهجمات المتواصلة على الأحياء المحيطة به، وأبرزها حي الشيخ جراح، ويهمنا هنا أن نؤكد موقف جماعة " الإخوان المسلمون" الداعم لصمود أهلنا في بيت المقدس والمسجد الأقصي وحي الشيخ جراح وكل فلسطين، ونحيي استعصاءهم على محاولات اقتلاعهم من أرضهم وديارهم التي ولدوا فيها ونشأوا عليها، ونطالب الشعوب العربية والمسلمة مواصلة دعمهم ومؤازرتهم للشعب الفلسطيني الشقيق ، حتى يحرروا أرضهم ويقيموا دولتهم على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.
فاحرصوا أيها الإخوان -مع كل شرفاء الأمة - على أن تظل قضية فلسطين قضيتنا الأولى، نبذل لها كل غال ونفيس، وهذا شرفٌ لا يدانيه شرف وعزٌ لا يطوله عز.

الإخوة الأحباب:
لقد حدثت معجزة الإسراء والمعراج للنبى صلى الله عليه وسلم، في وقت قلَّ فيه الناصر واشتدَّ فيه العداء، فلما رفع النبى صلى الله عليه وسلم يديه الى السماء داعياً، أذن الله بالفرج لرسولٍه صلى الله عليه وسلم الذي صبر واحتسب ودعا الله بصدق حتى ردّ مَلك الجبلين قائلاً: (إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا". (رواه مسلم)
هنا بدأت رحلة التكريم وبداية التمكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لينطلق بروحه وجسده في رحلة ربانية ومعجزة سماوية خارقةٍ لكل نواميس الطبيعة وقوانين البشرية.
والعبرة المستفادة هنا هي: بذل الجهد، مع التوكل الخالص على الله عز وجل، وعدم استعجال النتائج، واليقين الثابت بنصر الله تعالى وتأييده، فلا يغرنكم – أيها الإخوة الكرام  - تجبّر الطغاة، ولا يفتننكم تبدّل مواقف من كنا نظن بهم خيرا من العلماء والدعاة، واعلموا أن الثبات على الحق والمبدأ مقام عظيم وشرف كبير، ومن يناله فقد سار على درب النبيين والشهداء والصالحين، وتلك نعمة إلهية وعطية ربانية يمنّ الله عز وجل بها على من يشاء من عباده، فقد قال جل في علاه لنبيه صلى الله عليه وسلم ممتناً عليه بنعمة الثبات: "وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا" (الإسراء 74).
وقد رأينا ونرى إخوانا وأخوات لنا في سجون الطغاة، "مِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23)، فهم لم يغيروا ولم يبدلوا رغم قسوة الواقع وظلم السجان... نسأل الله لهم فرجا قريبا.
وفي الختام .. نسأل الله العلي القدير أن يوحد أمتنا و يحفظ دعوتنا ويبارك أخوتنا ويهيئ لنا من أسباب التوفيق والعمل  للإسلام ما يرضيه عنا..إنه ولي ذلك والقادر عليه.. وكل عام وأنتم جميعا بخير.
والله أكبر ولله الحمد
د. مصطفى طلبة
ممثل لجنة القائم بعمل المرشد العام
الأحد 26 رجب 1443 هـ - 27 فبراير 2022م