الحوار الثامن: بين الأم وابنها عبد الله بن عامر:

عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا صبي، فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطيك؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه؟

قالت: أعطيه تمراً.

قال صلى الله عليه وسلم: ( أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة )".

هذا الحوار وقع بين الأم وابنها والرسول صلى الله عليه وسلم حاضر وفيه فوائد تربوية مهمة:

أولاً: أثر الوالدين في تربية الأولاد عظيم؛ ولذلك قال عليه أفضل الصلاة والسلام "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه".

فالوالدان إذا كانا صالحين قائمين على أبنائهما بالتربية الصالحة، والتوجيه القويم انعكس أثرهما على الأبناء فصلحوا واستقاموا ولذلك قال القائل:

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق

ونظراً لأثر الأم على أولادها وجب حسن اختيارها حال الزواج، كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".، لأن وراءها حملاً ثقيلاً وهو تربية هذا النشئ؛ ولذلك وجب حسن اختيارها ابتداء، وحسن تربيتها بعد ذلك؛ ولذلك أراد عليه أفضل الصلاة والسلام أن يوجه هذه الام  توجيهاً تربوياً فلفت انتباهها إلى ضرورة الصدق في الأقوال والأفعال حتى مع الصغار.

ثانياً: الترغيب والترهيب جانبان أساسيان في التربية، وهذا ما فعلته الأم، عندما قالت لابنها: تعال أعطيك، فالأم يمكن أن تربي أبناءها على كثير من الفضائل بأسلوب الترغيب والترهيب.

فإذا أردت أن يحفظ أبناؤك القرآن الكريم فاختاري على سبيل المثال سورة وقولي لهم: إذا حفظتم هذه السورة فلكم كذا وكذا، وأنجزي وعدك إذا تحقق الشرط، فالترغيب والترهيب أسلوبان جيدان لحمل الأبناء على الفضائل، وقيسي على ذلك الكثير من الأمور التي نريد أن نغرسها في قلوب أبنائنا وأهل بيتنا، كطاعة الوالدين والجد والعمل... إلخ، وكثير من الآباء قد يتبع هذا الاسلوب "الترغيب والترهيب" ولكن للأسف لا يتبعه إلا في الأمور المادية عندما ينكسر إناء في البيت، أو عندما يعبث الولد بحاجة من حاجات البيت، أو عندما يأتي الولد راسباً في فصله، أما عندما يـتأخر عن الصلاة وعندما يقصر في واجباته تجاه الله عز وجل فقليل من الآباء والأمهات من يسلك سبيل الترغيب والترهيب في ذلك.

ثالثاً: كثير من الأمهات لا تبالي بالكذب على أطفالها، وهذا يؤدي بدوره إلى ترسيخ وغرس هذه الصفة في الأطفال، وما يقال عن الكذب، يقال أيضاً عن بقية عثرات اللسان وسائر الصفات الذميمة. فالأم التي تكثر على سبيل المثال من اللعن، تجد أبناءها يكثرون من اللعن حتى تجده يردد اللعن وكأنه يردد السلام، والأم التي تسب وتشتم تجد أطفالها أيضاً لا يحسنون إلا هذه اللغة، وصدق من قال:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا

على ما كان عوده أبوه

وقال آخر:

وهل يرجى لأطفال كمال

إذا ارتضعوا ثدي الناقصات

فالذي يرتضع في لبانه السب والكذب والشتم وغيرها من الصفات الرذيلة لا يتوقع أن ينطق بالصدق والفضيلة إلا أن يشاء الله!! فكونوا – أيها الأزواج – قدوة صالحة لأبنائكم..

رابعاً: إن على الأم مسئولية كبرى، وأمانة عظمى في تربية أبنائها تربية إسلامية، كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام في حديث ابن عمر "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".

فالله الله يا أختي المسلمة .. أحسني تربية أبنائك على الإسلام، ونشئيهم على محبة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام.

منقول بتصرف من كتاب -حوارات أسرية – للأستاذ مازن عبدالكريم الفريج