وحدة العمل واجب شرعى

إن وحدة العمل الإسلامى عموماً أمنية عزيزة، وواجب شرعى، وضرورة تفرضها طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية التى بدأ المسلمون فيها يصحون من غفوة، وينهضون من كبوة ويلتقون على ضرورة العمل على إقامة دولة الإسلام وخلافته من جديد، وقد ظن أعداء الإسلام بعد غزوهم لبلاد المسلمين بكل ألوان الغزو، وبعد إسقاطهم الدولة والخلافة، وبعد غرسهم هذا الكيان الصهيونى فى قلب الوطن الإسلامى، ظنوا أنهم قد قضوا على الدعوة الإسلامية ولن تقوم لها قائمة .

ولكن يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون؛ فكانت الحركات الإسلامية المعاصرة فى مصر والهند وغيرها، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين و التى امتدت حتى غطت الساحة الإسلامية بل العالمية والجماعة الإسلامية فى الهند وباكستان وبنجلاديش وجماعات إسلامية فى أقطار أخرى، فإذا بنا نجد الحياة تدب من جدبد في جسد الأمة الإسلامية، ونجد هذه الصحوة الإسلامية ونلمس روح الجهاد والتخلص من سلطان أعداء الإسلام في بقاع مختلفة من أرض الإسلام .

كل هذه الظروف تحتم على العاملين الصادقين في حقل الدعوة الإسلامية عالمياً وداخل كل قطر توحيد الجهود وتضافرها لإعادة بناء الدولة و الخلافة على أساس متين وفهم سليم ومنهج صحيح .

وقد اثبتت الأيام و التجارب توفيق الله للإمام الشهيد حسن البنا عند إنشائه لجماعة الإخوان المسلمين في تحديد الهدف و الفهم و المنهج وطريق السير ، وقد حرص رضوان الله عليه التزام طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحركة بالدعوة بأن ركز على قضية الإيمان والعقيدة السليمة وبناء الفرد المسلم المؤمن المجاهد .

فاهتم بنشر الدعوة وتوضيح الفهم الصحيح للإسلام كمنهاج شامل للحياة وكذلك اهتم بقضية الحب والأخوة، تلك الرابطة القوية التى لابد منها في صفوف العاملين المجاهدين، وترسم رضي الله عنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يوصي الإخوان بالصبر والتحمل والثبات، ويعلمهم أن طريق الدعوة شاق وطويل، وملىء بالأشواك والمحن والابتلاءات، ويوضح لهم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصي المؤمنين الأول، وهم يعذبون بالصبر ويبشرهم بالنصر وبالجنة، ولم يطلب منهم رد عدوان المشركين بالقوة ولكن بعد أن قامت الدولة بالمدينة بدأ رد العدوان وشارك صلى الله عليه وسلم بنفسه في معظم الغزوات .

وبالتزام الإخوان لهذه السياسة الحكيمة، وباهتمامهم بالتربية وبالحب وبالأخوة وبالصبر والثبات شاء الله لهم عندما تعرضوا للمحن والابتلاءات أن يخرجوا منها أصلب عودا،ً وأشد تماسكاً، وأكثر حرصاً على تحقيق الهدف الذى قامت من أجله جماعتهم، وها هي تواصل سيرها، وتمتد فروعها، وتتعمق جذورها، ويشتد ساقها، وتستعصي على الأعداء أن يقتلعوها، وفي هذا المعنى يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله - وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد و النار على الإخوان كان الوقت قد فات، وكان البناء الذى أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم، وتعمق على الاجتثاث ، كان قد استحال فكرة لا يهدمها الحديد و النار ... واستعلت عبقرية البنَّاء على الطغاة الأقزام فذهب الطغيان وبقى الإخوان ) .

ثم نجده رحمه الله في موضع آخر يقول: ( المرة تلو المرة ينتاب بعض أفراد الجماعة نزوات وفي كل مرة يسقط أصحاب هذه النزوات كما تسقط الورقة الجافة من الشجرة الضخمة أو تذهب عنهم تلك النزوات، وقد يمسك الأعداء بفرع من فروع هذه الشجرة ويحسبون أنه باجتذابه سيقتلعون الشجرة فإذا جذبوا ذلك الفرع إليهم خرج في أيديهم جافاً يابساً كالحطبة الجافة لا ماء فيها ولا ورق ولا ثمار ) .

وفي ختام هذه السلسلة حول وحدة العمل الإسلامي أوصى الإخوان بالتزام الموقف الذى حدده لنا الإمام الشهيد بالنسبة لغيرنا من الجماعات و الهيئات الإسلامية ، وهو موقف الحب والإخاء و التعاون و الولاء، نحبهم ونعاونهم، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر، ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق، وندعوهم في أسلوب لين يستهوي القلوب وتطمئن إليه العقول، ونتجنب تجريح الأشخاص والهيئات، ونصبر على أى أذى ينالنا ممن ندعوهم إلى الله ولا نقابل السيئة بالسيئة { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } .

وليطمئن الإخوان أن المستقبل لهذا الدين وأن نصر الله آت رغم طول ليل الظلم والظلام، ولكننا نخضع في سيرنا لسنن الله التي لا تتبدل { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } .

علينا فقط أن نأخذ بالأسباب، وأن نبذل كل ما نستطيع من جهد وعمل وإنفاق، وأن نسلك في ذلك الطريق الصحيح ثم قبل ذلك وبعده أن نخلص النية لله، ولسنا بعد ذلك مسئولين عن النتائج .

ويطيب لي أن أختم هذه السلسلة بكلمات خالدة للإمام الشهيد متصلة بالمعاني التى تناولناها .

يقول رضي الله عنه في رسالة "الإخوان المسلمون تحت راية القرآن" :( أيها الإخوان المسلمون .... أيها الناس أجمعون ... في هذا الصخب الداوي من صدى الحوادث الكثيرة المريرة، التى تلدها الليالى الحبالى، في هذا الزمان وفي هذا التيار المتدفق الفياض من الدعوات التى تهتف بها أرجاء الكون وتسرى بها أمواج الأثير في أنحاء المعمورة مجهزة بكل ما يغري ويخدع من الآمال و الوعود والمظاهر نتقدم بدعوتنا نحن الإخوان المسلمين... هادئة ولكنها أقوى من الزوابع العاصفة... متواضعة ولكنها أعز من الشم الرواسى... محدودة ولكنها أوسع من حدود هذه الأقطار الأرضية جميعاً... خالية من المظاهر الزائفة و البهرج الكاذب... ولكنها محفوفة بجلال الحق وروعة الوحى ورعاية الله... مجردة من المطامع و الغايات الشخصية و المنافع الفردية ولكنها تورث المؤمنين بها والصادقين في العمل لها السيادة في الدنيا و الجنة فى الآخرة ) .

وفي رسالة المؤتمر الخامس يوجه الحديث الى المتحمسين من الإخوان فيقول: ( أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم ، اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع: إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده... ولست مخالفاً هذه الحدود التى  اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول..., أجل قد تكون طويلة، ولكن ليس هناك غيرها إنما تظهر الرجولة بالصبر و المثابرة و الجد و العمل الدائب؛ فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها؛ فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين... إما النصر والسيادة، وإما الشهادة و السعادة .

أيها الإخوان المسلمون :

ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها، واستخدموها، وحولوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر، وما هى منكم ببعيد ) .

أيها الإخوان المسلمون :

إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين، ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال، ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين، على أن التجارب في الماضي و الحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم، ولا إنتاج إلا مع خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون؛ فلا تقامروا بجهودكم، ولا تغامروا بشعار نجاحكم واعملوا والله معكم، ولن يتركم أعمالكم، والفوز للعاملين { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم } .

منقول بتصرف من كتاب "وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد"  للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله .