تابعت أنا والكثيرون ما دار في الأيام الماضية تعليقًا على ما حدث في جامعة الأزهر.. وهالني ما توصلت إليه.. مقالات.. ومهاترات.. وتجنٍ فاضح.. واتهامات.. واعتقالات.. وأستطيع كما يستطيع كل متابعٍ أن يُصنف ردود الأفعال ومواقف الذين تصدوا لهذا الحدث إلى:
فصيل حاقد ذي خلفية سوداء.. متربص.. نهاز للفرص.. جاهز لأن يلتقط الهنات أو السقطات (إن وُجدت)، ثم يتعامل معها بكل أساليبِ التضخيم والمبالغة.. مع موفور الاستفزاز واستجلاب حكايات وقصص عفا عليها الدهر.. ثم ينتقل بعد ذلك إلى استعداء الأجهزة الأمنية لإعمال سطوتها وبطشها وجاهزيتها للاعتقال والترويع.. وتناسى هؤلاء المتغنون بالديمقراطية والمتشدقون بالحرية ما يدعون إليه ما دام هذا لا يخدم توجهاتهم ولا يساير نهجهم.

 

أما النوع الآخر فهو خليطٌ من المرتزقة وهواة الإثارة والاستمتاع بنفس الأكاذيب والضلالات.. وهؤلاء يدفع لهم فيكتبون ويزاد لهم فيشتغلون مألبين محرضين.. لا يهمهم إلا الكسب.. والكسب وحده.

 

وننتقل إلى نوعيةٍ أخرى تعاملت.. شأنها في كل قضايا الوطن بالعقل والاتزان والتفكير المنطقي المتوازن فتعالت على الصغائر وتجاوزت عن الأخطاء غير المقصودة.. ووضعت مصلحة الوطن في مقامها المناسب وفي وضعها الصحيح.. وتعاملت مع الموضوع بقدره وطالبت بمحاسبة المسئولين عن دفع الطلاب إلى هذا الفعل غير المقصود به.. أي من تلك الاتهامات التي وصف بها بعد أن حرمتهم من كل حقوقهم في إبداء الرأي أو التعبير.

 

ولكن يبقى الجمهور الصامت الذي حكمت عليه ظروف القهر والاستبداد أن يتلهى بحياته المعيشية التي يعانيها ويعانيها كل فرد في مجتمعنا.

 

لم يكلف هؤلاء الذين ملأوا الدنيا صراخًا وصياحًا.. متباكين على مقدرات الأمة ومستقبلها.. أن يتعرفوا على ماذا جرى لهؤلاء الطلاب من بطشٍ وقهرٍ وضربٍ وبلطجة.. كل هذا سبقه حرمانٌ لهم من المشاركة في أية أنشطةٍ في الجامعة وحرَّض عليهم صنائع الأمن ومنافقوه.

 

إن آخر ما تفتقت عنه أفكار القائمين على الأمر هو استقدام واستخدام البطلجية وإدخالهم إلى الجامعة مسلحين بالسيوف والجنازير تحت سمع وبصر الأمن وتحريضهم على أبنائهم الطلاب.

 

يا هؤلاء.. اتقوا الله في أبنائكم.. ومدوا لهم أيديكم وافتحوا لهم قلوبكم وستجدون قلوبًا مفعمةً بالود والإخلاص والتقدير ونفوسًا ترعى الله ولا تعمل إلا له.. ويكفي أنَّ عددًا ملحوظًا من هؤلاء من أوائل الطلبة.

 

ولا يكن حكمكم عليهم من خلال استعراضٍ قدموه.. وكانت عندهم الشجاعة الكافية.. عندما أحسوا بأن هذا الاستعراض لم يلقَ استحسانًا قدموا اعتذارهم لأساتذتهم.. ولإخوانهم الطلاب وإلى المجتمع المصري عامةً وأعلنوها دونما تردد أو خوف.

 

أقولها لكم جميعًا.. ارفعوا أيدي الأمن عن الجامعة.. واتركوا الطلبة لأساتذتهم الذين يجلونهم ويقدرونهم ويحسنون التعامل معهم.

 

وأقولها للمزايدين هل أنستكم هذه الصورة عمَّا يجري وينخر في جسد الأمة ويستشري فيها؟.. هل تناسيتم أن هناك عدوًا يتربص بنا ويذكي نيران الفتنة بين شعوبنا؟.

 

ما أحوجنا أن نلتفت إلى مصالحنا القومية وإلى مشروعاتنا التي تزحف بل تحبو، وإلى شبابنا المغلوب الذي حطمته البطالة وتسللت إليه أدران المخدرات والممارسات الخاطئة.

----------------

* أستاذ الجيولوجيا جامعة القاهرة- عضو مكتب الإرشاد