لم يخدع الاحتلال الصهيوني الكاتب المصري، علاء الأسواني، حين بثّ مقابلة معه، على أثير إذاعة الاحتلال، لمناسبة صدور ثالث أعماله مترجمًا إلى العبرية، وعن طريق دار نشر إسرائيلية بالطبع.

بحسب بيان الوكيل الإنجليزي لعلاء الأسواني، والذي يتصوّر الأخير، أنه كافٍ لنفي واقعة أنه خصّ إذاعة جيش الاحتلال بحوار، فإن الوكيل الأدبي للأسواني يقول نصًا "تلقينا عبر ناشر الرواية (الإسرائيلي بالطبع) عددًا من الطلبات لإجراء المقابلة، بما في ذلك أسئلة عبر البريد الإلكتروني، ولذلك قمت بتسجيل المقابلة مع علاء على Zoom في 26 أبريل/ نيسان الماضي، وهي المقابلة التي شاركناها مع الناشر(الإسرائيلي)".

يقرّ الوكيل الإنجليزي لعلاء الأسواني، ويدعى شارل بوشان، بأن المقابلة أجريت للإسرائيليين، بناء على طلبهم، وهذا يعني بالضرورة أن الأسواني كان يعلم وهو يجلس لمحاورة وكيله أنّ الحوار لمناسبة صدور روايته "جمهورية كأن" بالعبرية في الكيان الصهيوني، وهو ما يُفهم منه بالبداهة أنّ الحوار سوف يذاع داخل الكيان الصهيوني، ومن خلال الجهة التي تقدّمت بالطلب الذي وافق الوكيل عليه.

هل تعرّض الأسواني لخديعة من الوكيل؟ الشاهد أنه ليس في الأمر أي خديعة، فبيان الوكيل واضحٌ وقاطعُ في بيان أنه تلقى الطلب الإسرائيلي، وسجّل اللقاء مع الأسواني، ثم أرسله للنشر عبر إذاعة جيش الاحتلال. الشاهد أيضًا أن الأسواني لم ينتقد الوكيل أو يعاتبه أو يتهمه بخداعه وتوريطه في حالة تطبيع كاملة، ومن ثم لم يعلن الانفصال عنه أو مقاطعته والبحث عن وكيل آخر.

الأكيد أنّ علاء الأسواني، صاحب الأعمال الثلاثة المترجمة إلى العبرية (عمارة يعقوبيان، نادي السيارات، جمهورية كأن)، راضٍ تمامًا عن بيع أعماله والتربّح منها داخل الكيان الصهيوني، عن طريق دار نشر اسمها كينرت زمورا دبير، تجزل العوائد للأسواني ووكيله، حيث تبيع النسخة الواحدة بنحو 98 شيكل ما يساوي 30 دولار تقريبًا، بدليل أنه لم يُصدر بيانًا ناريًا ضد ترجمة أعماله إلى العبرية وبيعها داخل الكيان الصهيوني، كما فعل في العام 2010 حين ظهرت روايته، عمارة يعقوبيان، في إسرائيل عن طريق دار مؤسسة تدعى  IPCRI بدون ترخيص أو موافقة منه، الأمر الذي جعله يصرُخ متضرّرًا من تلك السرقة الأدبية، معلنًا اعتزامه مقاضاة اللصوص.

غير أن أسواني 2010 ليس هو الأسواني المعدّل، الذي دخل سوق النشر الصهيونية منذ العام 2016 راضيًا سعيدًا، غير صارخٍ أو مهدّد باللجوء للقضاء، لأن المترجمين اللصوص لم يعودوا كذلك، بل صاروا شركاء، وإنْ عبر الوكيل الإنجليزي، الذي يمثّل الأسواني لدى الكيان الصهيوني، ويعطيه حقه من المكاسب والأرباح، ويمنحهم المقابلات الإذاعية باسمه.

لابد أن علاء الأسواني يتذكّر جيدًا تلك المعركة الطاحنة مع وزير الثقافة المصري السابق، فاروق حسني، في العام 2009، حين ترشّح الأخير لرئاسة اليونسكو، ورسب، وكيف كان الأسواني ينطلق في هجومه على حسني من أن الأخير يغازل إسرائيل، ويريد أن يصل إلى اليونسكو فوق جسر من التطبيع.

في ذلك الوقت، انتفض الأسواني حين اتهمه فاروق حسني بأنه يتعامل مع دار نشر إيطالية في مدينة تورينو لها علاقات مع الكيان الصهيوني، فردّ الأسواني بتصريحاتٍ ناريةٍ يكذّب فيها الاتهام الشنيع، فقال لموقع "اليوم السابع": "لم أذهب إلى تورينو إلا لأتسلم جائزة جرمزانى كافور، وهى أكبر جائزة للأدب المترجم في إيطاليا، ودار النشر التي تطبع أعمالي "فلترنيلى" ليست في تورينو وإنما في ميلانو، وهى أكبر دار نشر إيطالية مستقلة، وهذه الدار تقدّمية يسارية معروفة بمساندتها للقضية الفلسطينية، ومؤسسها السيد جان جوكومو كان صديقا شخصيًا لكل قادة المقاومة الفلسطينيين". .. مضت 13 سنة كاملة على تلك الواقعة، كانت كفيلة بعلاج الأسواني من الحساسية ضد التطبيع الثقافي، ليصبح ما يكتبه معروضًا للبيع داخل الكيان الصهيوني، عن طريق دور نشر صهيونية خالصة، وليست إيطالية متعاونة مع الاحتلال.

كان الأسواني القديم يشنّ الحرب ضد وزير الثقافة، فاروق حسني، باعتبارها مقاومة بطولية ضد التطبيع، فيقول مثلًا في تصريحات منشورة في ذلك الوقت: "المثقف العربي لا يجب أن ينزلق في فخّ التطبيع الذي تقبله الحكومات، لحسابات سياسية لا قبل له بها"، مؤكدا رفضه أيا من أشكال التطبيع مع إسرائيل في ظل معاناة الفلسطينيين من جرّاء الأعمال الوحشية من الجانب الإسرائيلي .. وأن رفض التطبيع لابد وأن تصاحبه ترجمة عملية واقعية، وكان أجدى بوزير الثقافة المصري ألا يقدّم تنازلات من أجل منصب اليونسكو، وهذا لا يليق بمثقف أولا ووزير في موقع المسؤولية، لابد أن يتوافق موقفه مع جموع الشعب".

السؤال الآن: إذا لم يكن القبول بالتعاون مع ناشرين صهاينة، بوساطة وكيل انجليزي، تطبيعًا ثقافيًا، فماذا يكون التطبيع الثقافي إذن؟. وإذا لم يكن تسجيل حوار مع وكيل أعمال إنجليزي، للبثّ في إذاعة تابعة لجيش الاحتلال هو التطبيع بعينه، فما هو التطبيع؟ .. نريد أن نعرف فعلًا.

المصدر: العربي الجديد