ممدوح الولي

 أبقت وكالة موديز للتصنيف الائتماني الخميس الماضي؛ تصنيفها لمصر عند "بي 2" لكنها عدلت نظرتها المستقبلية المصاحبة لتصنيفها لمصر من مستقرة إلى سلبية، وكالعادة قامت وزارة المالية بالتهليل لإبقاء الوكالة تصنيف مصر، دون الإشارة إلى تعديل النظرة المستقبلية، ونشرت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بيان وزارة المالية، دون أن يتطرق أي منها إلى تعديل النظرة المستقبلية رغم انتشاره بالمواقع الاقتصادية الدولية.

وعلى رغم أن الأمر يتنافى مع قواعد الشفافية والإفصاح التي تعد أحد جوانب اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي في أواخر عام 2016، إلا أن الجهات الدولية ومنها الصندوق تتغاضى أيضا عن مفردات إفصاح عديدة لا تلتزم بها السلطات في مصر مثل رقم الدين العام المحلي الغائب منذ حوالي عامين، وبيانات السياحة الوافدة في العام الماضي والتي لم تعلن حتى الآن، وتفاصيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر وغير ذلك.

وفي الأحوال العادية يعني تحول النظرة المستقبلية لبلد من مستقرة إلى سلبية، أن يؤثر ذلك على درجة الثقة بذلك البلد من قبل المستثمرين والمؤسسات والدول، مما يقلل الاستثمارات الواردة إليه، ويزيد من مخاطر إقراضه فيتم تشديد شروط إقراضه، ورفع فائدة إقراضه سواء من خلال القروض المباشرة أو من خلال السندات التي يطرحها ذلك البلد في الأسواق الدولية، بأكثر من أسعار الفائدة المرتفعة السائدة حاليا في العام.

درجة تصنيف مصر غير استثمارية!

إلا أن الواقع مع تصنيف مصر مختلف بعض الشيء، فمنذ سنوات ودرجة تصنيف مصر لدى وكالات التصنيف الأمريكية الثلاثة، استاندرد آند بور وموديز وفيتش، هي درجة غير استثمارية، أي لا يتم تفضيل الاستثمار في البلد الذي يحصل عليها، وإنما هي درجة مضاربة، أي مرتفعة المخاطر.

ورغم أن هذه معلومة بديهية يعرفها كل من يدرك مدلول درجات التصنيف، فإن وزارة المالية المصرية لا تشير إلى ذلك مطلقا، وعلى نهج الوزارة تسير وسائل الإعلام المحلية، التي تتخذ موقفا معاكسا من درجة التصنيف كمبرر للإشادة!

وها هي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مصر مستمرة خلال السنوات الأخيرة، رغم التصنيف غير الاستثماري لها، نظرا لتركزها في مجال استكشاف النفط والغاز الطبيعي، والتي تمثل حوالي 70 في المائة من مجمل الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر. وهو أمر يتوقع استمراره إن لم يكن زيادته خلال الفترة القادمة، في ضوء الدفع الأمريكي والتوجه الأوروبي المتحفظ للاستغناء عن الطاقة الواردة إليها من روسيا، حيث أن كميات الغاز المنتجة من كل من مصر واسرائيل وقبرص معا تقل كثيرا عن الاحتياجات الأوروبية لتعويض الغاز الطبيعي الروسي.

كذلك يظل استمرار إقراض مصر أمرا مطلوبا من قبل الدول الغربية، في ضوء استفادة تلك الدول من السوق المصرية الكبيرة لتصريف جانب من صادراتها السلعية والدفاعية، وقيام النظام المصري بمنع قوارب الهجرة غير الشرعية المتجهة لجنوب أوروبا منذ سنوات، وحمايته للمرور الآمن لتجارة تلك الدول عبر قناة السويس في الاتجاهين، في ضوء تعطل سلاسل التوريد للعديد من السلع.

ولهذا كانت وكالتا استاندرد آند بور وفيتش أكثر واقعية عندما أبقتا على تصنيفهما لمصر بشهر أبريل الماضي، رغم زيادة الفجوة الدولارية بها، وخروج غالب الأموال الساخنة لتنخفض من 34 مليار دولار إلى أقل من تسعة مليارات من الدولارات خلال ستة أشهر، وتأثر مصر بارتفاع أسعار الغذاء والنفط خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية مما زاد من معدلات التضخم فيها، وتراجع الإيرادات السياحية التي كانت تأتي من السياحة الأوكرانية والروسية لها.

المساندة الخليجية وخفض الجنيه

فقد بررتا بقاء التصنيف كما هو رغم كل تلك المشاكل الجديدة، التي أضيفت لما يعانيه الاقتصاد المصري من مشاكل مزمنة، مثل العجز المزمن في الميزان التجاري السلعي وبميزان المعاملات الجارية، وارتفاع حجم الدين المحلي والخارجي، والعجز الكبير في الموازنة، واستحواذ تكلفة الدين على النصيب الأكبر من الإنفاق في الموازنة؛ بأمرين رئيسيين، هما استجابة الحكومة فيما يخص السياسة النقدية ووجود مساندة قوية من دول الخليج.

فقد نظرت الوكالتان إلى خفض سعر صرف الجنيه المصري في مارس الماضي، والذي أعقبه تحريك سعر الصرف بدرجة مرونة أعلى مما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة، كذلك رفع الفائدة المصرية، وهو ما تكرر مرة أخرى وتوقعت فيتش استمرار تكراره بالفترة المقبلة، خاصة مع توقع استمرار رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة خلال اجتماعاته الخمسة المقبلة في العام الحالي، سعيا من المركزي المصري لجذب الأموال الساخنة مرة أخرى.

أما عن المساندة الخليجية فقد أقرضت الإمارات مصر ثلاثة مليار دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي، وقامت السعودية بمنح مصر وديعة بقيمة ثلاثة مليار أخرى خلال نفس الفترة، علاوة على حصول مصر على قرض بمليار دولار من بنك الصادرات الأفريقي، وحوالي 900 مليون دولار من الصين في نفس الفترة.

وفي الشهور المنقضية من العام الحالي قامت دول خليجية بضخ أموال لمصر تعوضها عن الخروج الكثيف للأموال الساخنة، قدرها رئيس الوزراء المصري بنحو 12 مليار دولار، ولم يُعلن منها سوى عن الوديعة السعودية بنحو خمسة مليار دولار في أواخر مارس الماضي، بخلاف نصف مليار دولار قيمة سندات تم بيعها في السوق الياباني.

وما زلنا في انتظار بيانات الدين الخارجي لمصر في نهاية مارس الماضي، لمعرفة مصادر القروض التي عوضتها عن خروج الأموال الساخنة وارتفاع أسعار السلع المستوردة، واستمرار تنفيذ المشروعات القومية التي يقوم الجيش بتنفيذ معظمها.

بيع الأصول لسداد الديون

وها هي السلطات المصرية تلجأ لمخرج بيع الأصول للدول الخليجية كوسيلة لتقليل حجم ديونها، حيث جرى بيع بعض الأصول بالفعل للإمارات، وهناك مشاورات مستمرة لبيع أصول أخرى للسعودية وقطر وربما لغيرها من دول الخليج، لزيادة رقم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكنها استثمارات لا تضيف إنتاجا أو فرص عمل لأنها تتعلق بشراء أصول موجودة أصلا، فما يتم هو مجرد تغيير اسم المالك.

وهكذا لم يكن انخفاض الاحتياطي المصري من العملات الأجنبية، والذي لا تملك مصر معظمه باعتباره أموالا مقترضة، سببا في تعديل التصنيف المصري، رغم أنه كان سببا كافيا لذلك التعديل في الظروف الطبيعية، خاصة مع إعلان البنك المركزي المصري أنه في نهاية شهر مارس الماضي كان صافي الأصول -العملات - الأجنبية في البنك المركزي سالبا بقيمة 5.1 مليار دولار، وصافي العملات الأجنبية في البنوك التجارية الأخرى العاملة في مصر سالب بقيمة سبعة مليارات دولار، لتصل قيمة العجز لصافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصري (أي في المركزي والبنوك معا) إلى 12.1 مليار دولار، وهي أمور تمثل أسبابا واقعية لخفض التصنيف.

لكن الدول الكبرى تريد الحفاظ على بقاء النظام المصري والحفاظ على سداده أقساط وفوائد الديون القديمة، ولهذا ستمده بقروض جديدة، سواء من خلال مصارفها أو هيئاتها التمويلية أو مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية أو من خلال الدول الحليفة لها.

twitter.com/mamdouh_alwaly