تشهد تونس حالة شبه إجماع سياسي وحزبي على رفض الاستفتاء على الدستور الجديد المرتقب في 25 يوليو المقبل، وبينما اختلفت أدوات الرفض، إلا أن أهدافها جميعاً تصب في خانة واحدة وهي أن انقلاب الرئيس قيس سعيد لن يمر.

وفيما قرر حزب آفاق تونس، اليوم الإثنين، المشاركة تحت شعار "لا لمشروع (الرئيس) قيس سعيّد"، رفع حزب النهضة البطاقة الحمراء في وجه الاستفتاء، رافضاً إياه جملة وتفصيلاً.

وقال آفاق تونس، الذي كان ممثلاً بمقعدين في البرلمان المنحل، إنه سيشارك في الاستفتاء تحت شعار "لا لمشروع قيس سعيّد".

وقال رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي، في مؤتمر صحافي: "سعيد اختار لتونس وشعبها طريقاً محفوفاً بالمخاطر غير محسوب العواقب يدفع بتونس نحو المجهول".

وأرجع الحزب مشاركته في الاستفتاء بالرفض إلى "إيمانه أن سياسة المقاعد الشاغرة لن تمنع قيس سعيد من المواصلة في مخططه، بل ستساهم في فتح الطريق أمامه".

وأوضح أن "المشاركة في الاستفتاء ليست مبايعة لمسار قيس سعيد، بل هي مقاومة وتصدّ لمشروعه الدكتاتوري".

وأكد رئس الحزب أن "25 يوليو المقبل ليس تاريخا للمصادقة على دستور جديد للجمهورية التونسية"، إنما هو "مناشدة لقيس سعيد".

من جهتها، اعتبرت القيادية بالحزب ريم محجوب أن "مقاطعة الاستفتاء ستخدم مشروع سعيد وستزيد من تعزيز فرصه في الانفراد بالسلطة، وبالتالي قد لا تفي المقاطعة بالغرض"، مشيرة إلى أنه "لا توجد ضمن القانون نسبة دنيا لكي يبطل، وبالتالي حتى لو ذهب عدد قليل وصوتوا بنعم سيمر الاستفتاء".

وأوضحت أن "قرار المشاركة في الاستفتاء اتخذ للتصدي لهذا المشروع"، مبينة أنه "خلال الحملة الانتخابية سيقدم الحزب مزيداً من شرح هذا الموقف".

من جهة ثانية، لفتت إلى أن "الحوار صوري"، مؤكدة أن "دستور 2014 الذي على أساسه فاز قيس سعيد لا يخوله تغييره، ولكنه تجاوز الصلاحيات".

وسوى أحزاب صغيرة أعلنت المشاركة في الاستفتاء والحوار الوطني، أكدت أحزاب رفضها المشاركة في الاستفتاء، مثل أحزاب جبهة الخلاص الوطني (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وحراك تونس وأمل تونس)، وأحزاب التيار الديمقراطي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحزب العمال والحزب الجمهوري وحزب القطب.

النهضة: لا للاستفتاء المزعوم

وجدّدت حركة النهضة في تونس في بيان، اليوم الإثنين، تمسكها بدستور البلاد ومقاطعتها للاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد، المرتقب في 25 يوليو المقبل، والذي وصفته بـ"المزعوم" و"لا هدف له إلا تزوير إرادة الشعب لإضفاء شرعية مفتعلة على منظومة حكم فردي استبدادي".

ونددت "النهضة"، في بيانها الصادر عن مكتبها التنفيذي الذي اجتمع برئاسة راشد الغنوشي السبت الماضي، بـ"مساعي الانقلاب لتمرير مشروعه وتزوير إرادة الشعب "باستفتاء" فاقد لكافة معايير النزاهة والشفافية عبر هيئة انتخابات منصبة وفاقدة لأي استقلالية في عملها".

وأواخر مايو الماضي، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوماً يدعو الناخبين إلى التصويت في استفتاء على دستور جديد، في 25 يوليوالمقبل، بينما دعت أحزاب معارضة إلى مقاطعته.

من جهة ثانية، استنكرت حركة النهضة "خلفيات المرسوم عدد 35 لسنة 2022 والأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 القاضي بعزل سبع 57 قاضياً في مخالفة صريحة للدستور وللقانون".

وأوضحت أن "هياكل القضاة بينت هذه الخلفيات في الندوة الصحفية الأخيرة التي كشفت حجم تدخل سلطة الانقلاب في القضاء لتطويعه وتوظيفه في تصفية الخصوم السياسيين، وخاصة حركة النهضة وقياداتها، واختراق المنظمات الوطنية لإجبارها على الانخراط في أجندة الانقلاب أو الانقلاب على قياداتها وهياكلها الشرعية".

وفي 2 يونيو الحالي، أصدر سعيد أمراً رئاسياً بإعفاء 57 قاضياً من مهامهم، بتهم بينها "تغيير مسار قضايا" و"تعطيل تحقيقات" في ملفات "إرهاب" و"ارتكاب فساد مالي وأخلاقي"، وهو ما ينفيه القضاة.

وفي الشأن، أدانت حركة النهضة "محاولات الزج بالمؤسسة الأمنية في الصراع مع السلطة القضائية بغاية النيل من استقلاليتها"، مطالبة "بفتح تحقيق جدي في ما ورد من محاولات السلطة الضغط على القضاء للحكم بالباطل ضد حركة النهضة"، في حين، حيّت "تمسك القضاء باستقلاليته ورفضه الخضوع والتوظيف".

    كما جددت حركة النهضة "رفضها لمسار تفكيك مؤسسات الدولة منذ الانقلاب على الديمقراطية ومؤسساتها في يوليو الماضي"، ونبهت في الوقت ذاته إلى "خطورة التمادي في هذا الطريق عبر سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولات تنظيم حوار شكلي وإقصائي معلوم المخرجات والنتائج غابت عنه كل القوى الحية بالبلاد. فلا هو حوار ولا هو وطني".

على صعيد متصل، حذرت "النهضة" من "محاولات المساس بثوابت الشعب وهويته العربية والإسلامية ومدنية دولته"، منددة "بإثارة قضايا حسمها الشعب منذ الاستقلال وضمنها في الفصلين الأول والثاني من دستور الثورة".

    واستنكرت "المحاولات الرخيصة والخطيرة لتوظيف هذه القضايا في إقصاء المخالفين".

وفي بيانها أيضاً، حملت الحركة سلطة الانقلاب "مسئولية تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفشلها في الحوار مع الأطراف الاجتماعية وعجزها عن التقدم في تحقيق اتفاق مع صندوق النقد الدولي يساعد على التخفيف من أزمة المالية العمومية ويفتح للبلاد فرصا للتعامل الأفضل مع المؤسسات المالية الدولية".

كما جددت "التنبيه إلى خطورة تنامي السلوك المليشياوي الذي تمارسه بعض الأطراف المحسوبة على الانقلاب ضد اجتماعات جبهة الخلاص الوطني وضد تظاهرات حركة النهضة، مستغلة خطاب العداء والتحريض الذي دأب عليه الانقلاب".

وتعاني تونس، منذ 25 يوليو 2021، من أزمة سياسية حادة، حيث بدأ سعيد آنذاك فرض إجراءات استثنائية، منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.

وترفض عدة قوى سياسية ومدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور".