# القيادة بين التوجيه والتنظيم

في اعتقادي أن الدعوة الإسلامية في هذا الزمن تشكو  فيما تشكو منه فقراً في التنظيم، ولا أحسبنى مبالغاً إذا قلت أن عناية الحركة في تهيئة دعاة موجهين وخطباء مرشدين يفوق عنايته في تكوين قادة منظمين وحتى هذه النسبة الضئيلة في مجال التكوين التنظيمي فغالباً ما تسوقها الصدف وقلما يأتي بها القصد والتصميم ....

وحتى المراكز ( القيادية ) في حياة الدعوة فقد بات لا يرشح لها إلا أصحاب الكفايات ( العلمية والتوجيهية ) دونما نظر إلى القدرات التنظيمية فلا يكاد يبرع  أخ في ( الخطابة ) أو ينال آخر ( مؤهلا علمياً ) حتى يرى نفسه محمولاً لتسلم مسئولية من المسئوليات التنظيمية قد لا يكون لها أهلاً، وهذا ما كان يؤدى في غالب الأحيان إلى إخفاقه في كثير من المهمات وبالتالي إلى خسارة الأخ نفسه بسبب من ردود الفعل النفسية التي تصيبه من جراء  فشله المتلاحق . والمؤسف أن هذه الحوادث على تتابعها وتكرار وقوعها قليلاً ما كانت تدفع إلى التفكير والعمل على معالجتها ووضع حد لها .

أهمية التنظيم :

ويمكننا القول بأن ( التنظيم ) من أقوى عوامل نجاح الحركات؛ فكم من حركات سياسية وحزبية نجحت بفضل التخطيط الواعي والتنظيم الدقيق وأخرى فشلت بسبب الفوضى والارتجال ..

وطبيعة الإسلام تأبى أي شكل من أشكال الفوضى وأي نوع من أنواع الارتجال  وليس في الدنيا منهج عنى بتنظيم دقائق الحياة الإنسانية حتى اليومية والخاصة منها عناية الإسلام .

 إن الحركة الإسلامية تعانى من ضعف الإمكانيات التنظيمية في أجهزتها المختلفة مما يسبب في كثير من الأحيان استنفاد الجهود وضياع الأوقات من غير طائل ولذلك كان من أهم موضوعات التنظيم ما يتعلق بالقيادة وخصائصها وصفاتها.

# ما هي القيادة :

فالقيادة كل قيادة هي فن معاملة الطبيعة البشرية والتأثير في السلوك البشرى وتوجيهه نحو هدف معين وبطريقة تضمن بها طاعته وثقته واحترامه ويتوقف نجاح ( القائد ) في مهمته هذه على مدى ما يتصف به من مزايا وخصائص علماً بأن هناك بعض الصفات الفطرية التي قد تساعد على تنمية الإمكانات القيادية ولكن إلى حد معين وبقدر معلوم .... ولا بد من استكمال ( الشخصية القيادية ) من قدرات أخرى فكرية وروحية وجسمية وتنظيمية وأخلاقية وشخصية  .

ومركز ( القائد ) في الحركة كل حركة مركز حساس، وما لم تتوفر في شخصيته الصفات القيادية اللازمة فسيبقى المركز القيادي مزعزعاً مضطرباً بالغاً ما بلغ القائد من الثقافة الفكرية أو القدرة الخطابية لأن منطق الحركة غير منطق الكلام ...

والدعوة جهاز حركي متكامل لا يمكن أن يتحكم في ضبط حركاته وتقدير خطأه وتوجيه سيره وانفعالاته إلا منطق التنظيم والتخطيط والانضباط .

# الصفاء النفسي والعبق الروحي :

إن من أهم ما ينبغي أن يتمتع به القائد المسلم صفاء النفس وعبق الروح، وعليه أن يستشعر ثقل الأمانة التي يحملها، وأنه أولى الناس بتأديتها والتفاعل معها كما ينبغي ألا تصرفه مسئولياته القيادية وواجباته العامة مهما كثرت وتضخمت عن الاهتمام بنفسه والانشغال بعيوبه وتمحيص ذنوبه، ولا يخدعنه ما يقوم به من أعمال متلاحقات فقد تفقد هذه الأعمال عنصر ( الإخلاص ) وتصبح عند الله رماداً تذروه الرياح؛ فالله لا يقبل إلا ما زكا وطاب، وصدق الله العظيم حيث يقول { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } عليه أن يكون دائم المراقبة لله، دائم التفكير بالموت والقبر، والجنة والنار، حسن العبادة، كثير التنقل محافظاً على قيام الليل { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً }.

# الصحة البدنية والقوة الجسدية :

وعلى القائد أن لا يهمل شأن صحته وجسمه؛ فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وتكاليف الدعوة وأعباء المسئولية لا يقوى على النهوض  بها ضعاف الأجسام سقام الأبدان .

 إن مركز القيادة مركز التفكير الدائب و العمل المتواصل والجهاد المستمر ، وهذه القدرات مرتبطة ارتباطاً عصبياً بمراكزها العضوية من الجسم، وما لم تكن الأعضاء والحواس والأجهزة كلها بحالة سليمة ونشيطة فستفقد القدرة على إمداد الإنسان بحاجاته ومتطلباته الحيوية الصحية .

# القدرات العقلية والأغذية الفكرية :

والعقل كذلك بحاجة إلى المواد الغذائية التي تحقق نموه ونضجه واتزانه والأغذية الفكرية بالنسبة للقائد يجب أن تكون منوعة فلا يقولن قائل إنني أكتفي بالثقافة الإسلامية من دون سائر الثقافات، وإذا كان هذا المنطق مقبولاً في الماضي فإنه مرفوض اليوم، وقد اختلطت الصيحات، وتباينت الآراء والمفاهيم وتعددت الثقافات، وما لم يكن القائد على مستوى حسن من الثقافة والاطلاع مواكباً الحياة السياسية وأحداثها اليومية فقد لا يتمكن من مواجهة المسئولية ومغالبة التحديات وقيادة الركب قيادة رشيدة واعية .

صفات لازمة للقيادة :

1 - معرفة الدعوة :

ولمعرفة القائد لدعوته تماماً يلزم أن يكون ملماً جيداً بشئونها الفكرية والتوجيهية والتنظيمية، مواكباً لنشاطها مطلعاً على أعمالها وتصرفاتها .

وضمان نجاح القيادة إنما يكون في تلاحمها مع القاعدة، وعدم انفصالها عن الموكب المتحرك، أو انعزالها في صومعة، بل إن المسئولية القيادية لتتطلب من صاحبها الاتصال الدائم بالجنود والتعرف على آرائهم ومشكلاتهم، وفي ذلك ما فيه من اطلاع ودراسة تجريبية مفيدة للجانبين .

2 - معرفة النفس :

ومن واجب القائد أن يعرف مواطن القوة والضعف في نفسه والقائد الذي لا يعرف قدراته وإمكاناته لا يمكن أن يكون قائداً ناجحاً بل ربما جر على دعوته الكوارث والأضرار ولذلك يجب :

أ - أن يتعرف إلى نقاط الضعف لديه ويعمل على تقويتها.

ب -أن يكتشف مواطن القوة عنده ويسعى لدفعها وتنميتها .

ج - أن يحرص على تنمية الثقافة العامة والاطلاع على مختلف الموضوعات والآراء والأفكار السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخ ..

د - أن يعنى بدراسة شخصيات القادة المسلمين وغيرهم، والتعرف على طرق وأساليب قياداتهم وأسباب وعوامل نجاحهم أو فشلهم.

3 - الرعاية الساهرة :

وقيام القائد بملاحظة الأفراد وتعرفه عليهم جيداً واطلاعه على أحوالهم وأوضاعهم الخاصة والعامة ومشاركتهم كل هذه مما يساعده على ضبطهم وكسب ثقتهم وبالتالي على حسن الاستفادة من طاقاتهم.

4 - القدوة الحسنة :

والأفراد ينظرون دائماً ويتطلعون إلى قادتهم كأمثلة حسنة يقتدون بها ويحذون حذوها فسلوك القائد ونشاطه وحيويته وأخلاقه وأقواله وأعماله ذات أثر فعلى على الجماعة بأكملها فالرسول صلى الله عليه وسلم كان نعم القدوة لصحابته { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وصحابته رضوان الله عليهم كانوا أئمة صالحين وهداة مهتدين وصفهم رسول الله صلى عليه وسلم بقوله: ( صحابتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ).

5 - النظر الثاقب : -

قدرة القائد على إجراء تقدير سريع وسليم لأي موقف والوصول إلى قرار حاسم في شتى الأحوال والظروف من شأنه أن يكسبه ثقة الأفراد وتقديرهم، أما التردد والغموض والحيرة والارتباك فمن شأنه أن يخلق الفوضى ويضعف الثقة ويفقد الانضباط وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ( إن الله يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند هجوم الشهوات ) .

6 - الإرادة القوية : -

 وهي صفة طبيعية إن وجدت في القائد استطاع أن يجذب القلوب بدون تكلف وهذا العنصر من أقوى العناصر التي تتكون منها الشخصية القيادية .

7- الجاذبية الفطرية :

وهى صفة طبيعية إن وجدت في القائد استطاع أن يجذب القلوب بدون تكلف، وهذا العنصر من أقوى العناصر التي تتكون منها الشخصية القيادية .

8 - التفاؤل : -

 ويعتبر التفاؤل من الأمور الجوهرية اللازمة للشخصية القيادية ولذا يجدر بالقائد أن  يكون دائما في تفاؤل متطلعاً أبداً بأمل وانشراح دون أن يصرفه ذلك عن التحسب لما قد  تخبته الأيام من مفاجآت.

إن اليأس عامل خطير من عوامل الانهيار والدمار في حياة الأفراد والجماعات ... ولا يجوز أن يسمى ( اليأس ) حكمة و ( الأمل ) خفة وتهوراً ... كما لا يجوز أن يخضع الأمل لجوامح العاطفة وطفراتها وإنما ينبغي أن يتلازم مع العقل والتقدير .

والقيادة طليعة الركب ورأس القافلة وتأثيرها على الصف بليغ وعميق؛ فإن هي تخاذلت ويئست عرضت الصف للتخاذل واليأس، وإن هي صمدت أمام الملمات وثبتت في وجه التحديات أشاعت في نفوس الأفراد والجنود روح الأمل والإقدام ... فكيف والإسلام اليوم يخوض معركة مصير في الداخل والخارج وعلى كل المستويات ومختلف الجبهات؛ فلا يجوز بحال الفرار من الزحف والتولي عنه وإنما ينبغي الصمود والإصرار ،  الصمود في المعركة والإصرار على مجاهدة الباطل بكل مقومات الجهاد { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ومواقف النبوة الخالدة مراكز ثقل في ماضينا الإسلامي ومواطن تأس واعتبار في حاضرنا الحركي يجب الوقوف عندها طويلاً ... لقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته حملات منظمة من الاضطهاد والأذى والتشكيك استعمل فيها الحاقدون على الإسلام أضرى أنواع الأذى والتنكيل كل ذلك من غير أن تلين للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه قناة بل إن النبي القائد ليرى بعين ( الأمل ) نصر الله وهو يواجه حشود الأعداء تضرب حصارها حول المدينة تتربص بالإسلام والمسلمين فيحملها بشرى وطمأنينة للمؤمنين بين يدي هذا الموقف الرهيب حتى ليقول ( المنافقون ) والذين في قلوبهم مرض ( يعدنا محمد كنوز كسري وقيصر وأحدنا لا يستطيع التبرز من شدة الخوف ) ... أما المؤمنون الواثقون بنصر الله فقد كان لهم موقف آخر حكاه القرآن الكريم بكل اعتزاز وتقدير { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً } إن الإسلام وهو يواجه اليوم التحدي العارم .... تحدى الشعوبية باسم القومية ... وتحدى الطائفية باسم الوطنية  .... وتحدى الإلحاد باسم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية ...  وتحدى الاستعمار باسم العلم والمدنية ... إن الإسلام في موقفه العصيب هذا يجب أن يستنفر الهمم ويستقطب الجهود ويبعث على الثقة والأمل { وما النصر إلا من عند الله } .

منقول بتصرف من كتاب "مشكلات الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن  رحمه الله.