العلاقة التنظيمية بين الدعوة والداعية

1 - الطاعة

#  لمن تكون الطاعة ؟  

# متى يجب العصيان ؟   

 # عودوا أنفسكم الطاعة

2 - المسئولية : -

# الشعور الذاتي بالمسئولية       

# التكليف الحركي

إذا كانت الحركة الإسلامية في العصر الحديث قد أعطت الجوانب الفكرية والتوجيهية والروحية قسطاً وافراً من عنايتها واهتمامها فلأن الجانب ( التنظيمي ) لم يحظ منها إلا بالقليل من الملاحظة والاهتمام بالرغم من أنه بمثابة العمود الفقري فيها، وإذا كانت هنالك من أسباب يعود إليها فضل تماسك الدعوة وتلاحمها في غيبة ( الارتباط التنظيمي المحكم ) فإنما يعود إلى ( العقيدة ) أولا، ثم إلى ( الأخوة ) التي لا تزال حتى اليوم الآصرة الوحيدة التي تشد المؤمنين إلى بعضهم، وتربطهم بدعوتهم، وليس المقصود بضرورة إقامة علاقات تنظيمية بين الدعوة والداعية الاستغناء بالتالي عن الروابط ( العقدية والأخوية ) وإنما ينبغي أن تكون لكل علاقة حدود لا تتعداها وإلا اختل توازن كل شيء، وتعرضت الحركة لكثير من الأزمات والتناقضات والفوضى في كل جهاز من أجهزتها، بل في كل خطوة من خطواتها.

إن العلاقة بين الدعوة والداعية ينبغي أن تكون واضحة من أول يوم يعرف الفرد فيها واجبات علاقته بالدعوة ودوره في الحركة ومسئوليته في العمل، وما شابه ذلك من أمور تحدد شكل ارتباطه، ومتطلباته، وخصائصه، وسأعرض هنا لبعض القواعد الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات التنظيمية بين الدعوة والداعية.

# الطاعة : 

إن الطاعة من العوامل الأساسية التي تحتاجها العلاقات التنظيمية في كل حركة من الحركات ... والحركة ـ كل حركة ـ لا يمكن أن تبلغ المستوى التنظيمي المطلوب ما لم يكن عنصر الطاعة قد بلغ لديها ذروة القوة والكمال .... ومفهوم الطاعة في الإسلام يستمد من أصول الدين العقيدية والتشريعية قوته ومداه فطاعة الأخ المسلم للقيادة يؤكد امتثاله لأمر الله ( فالقيادة ) في الإسلام هي السلطة التنفيذية التي تتولى تطبيق أحكام الإسلام أو تسعى وتمهد لاستئناف حياة إسلامية تطبق فيها هذه الأحكام كما هو شأن الحركة الإسلامية في المرحلة الحاضرة، وهذه بدون شك أمر من أمور الله، وبذلك تصبح طاعة الأخ المسلم لها من طاعة الله وعصيانها من عصيان الله، ولذلك حض القرآن الكريم على ذلك بقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم }.

وعبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصى الأمير فقد عصاني ).

# لمن تكون الطاعة ؟

وعلى الأخ المسلم أن يعد نفسه لامتثال وطاعة ( القيادة ) كائناً من كان القائد، طالما أن قيادته شرعية، وليس من خصائص الطاعة في الإسلام أن تكون لشخص دون شخص، كما ينبغي ألا تخضع للأهواء والأذواق الشخصية، ويكفي دلالة على هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) وهذا خالد بن الوليد رضى الله عنه عندما جاءه كتاب عزله من قيادة الجيش وتولية أبى عبيدة بن الجراح مكانه امتثل الأمر، وقال: ( والله لو أمِّر على أمير المؤمنين امرأة لسمعت وأطعت ).

متى يجب العصيان ؟

وإذا كان الإسلام قد أوجب على الأخ المسلم طاعة قيادته بالحق فقد أحله من ذلك في غيره، بل أوجب عليه عصيانها؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وعن علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليها رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا ويطيعوا فأغضبوه في شيء؛ فقال: اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال: أوقدوا نارا فأوقدوا، ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله علي وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا ؟ فقالوا : بلى، قال: فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار  فكانوا كذلك حتى سكن غضبه فأطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً وقال: لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف) .

# عودوا أنفسكم الطاعة :

وعلى الأخ المسلم أن يعود نفسه ويخضعها لطاعة وامتثال أمر القيادة، وأن لا يدع مجالاً لا لقاءات الشيطان ووسوسات الكبر في نفسه؛ فالنفوس العاتية يتعسر قيادتها ويصعب مقادها، والكِبْر مرض عضال يقصم الظهور، وباب إلى النفس يدخل منه الشيطان، والطاعة والتواضع يأباها المتكبرون، وتشق على نفوس المكابرين وهذا ( جبلة بن الأيهم ) تأبى عليه نفسه العاتية أن يخضع لحكم عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه فيترك الإسلام ويتنصّر، ويفضل الضلالة على الهدى، قال أبو عمر الشيباني :(لما أسلم جبلة بن الأيهم الغساني وكان من ملوك آل ( جفنة ) كتب إلى عمر يستأذنه في القدوم عليه فأذن له عمر فخرج إليه في خمسمائة من أهل بيته فسر عمر، وأمر الناس باستقباله، فلما انتهي إلى عمر رحب به، وألطفه وأدنى مجلسه، ثم أراد عمر الحج، فخرج معه جبلة فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ إزاره رجل من بنى (فزارة ) فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف الفزاري فاشتكاه إلى عمر فبعث إلى جبلة فأتاه فقال: ما هذا ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين إنه تعمد حل إزاري ولو لا حرمة الكعبة لضربت عنقه بالسيف فقال له عمر : قد أقررت فإما ترضي الرجل، وإما أن أقيد منكبك قال جبلة : وماذا تصنع بي ؟ قال عمر : آمر بشم أنفك كما فعلت، قال جبلة وكيف ذلك يا أمير المؤمنين، وهو سوقة، وأنا ملك ؟ قال عمر : إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله بشيء إلا بالتقوى والعافية، قال جبلة : قد ظننت يا أمير المؤمنين أنني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية، قال عمر : دع عنك هذا فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك قال جبلة: إذا أتنصّر: قال عمر :  إن تنصّرت ضربت عنقك؛ لأنك قد أسلمت، فإن ارتددت قتلتك فلما رأى جبلة الصدق من عمر قال : أنا أنظر في هذا ليلتي هذه، حتى إذا نام الناس خرج جبلة بخيله ورواحله إلى الشام هارباً ومنها إلى القسطنطينية وتنصر .

منقول بتصرف من كتاب "مشكلات الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن  رحمه الله.