يسري المصري

من المعلوم سلفًا أن لا أحد في هذه الحياة الدنيا يحب أن يكون هناك من هو أفضل منه إلا الأم والأب؛ فهما فقط يطمعان ويتمنيان أن يصبح أبناؤهما أفضل منهما بكثير، وعلى كافة الأصعدة، وقديمًا كانت المرأة العربية العجوز تقول لابنتها: "أسأل الله أن يجعل حياتك وحظك من الدنيا أفضل من حظي منها" وهي دعوة تترجم كمية الحب والعاطفة والأمومة الصادقة.

ولما كانت الغاية هي السعي للأفضل من جانب الآباء والأمهات لتثبيت حيوات أبنائهم بالشكل الذي يلبي الطموح والتطلع، كانت الثقة بالنفس من أعظم الهدايا الأبوية للأبناء في حياتهم ولا يعوضها مال أو ترف كذلك لا تقاس برحلة أو هدية؛ فالثقة معيار التأسيس الصحيح، وأية أسرة ليس فيها هذا الفهم فهي مغيبة وعلى موعد من المعاناة في التعامل، بل والمستقبل ليس بخير، لذلك سنحدد في هذا المقال خطوات واضحة لتأسيس هذا الأمر في الأبناء بشيء من الفهم والاحترافية:

أولًا ـ اكتشاف قدراته

والمعنى للوهلة الأولى يبدو غريبًا؛ فالقدرات قد تكون شبه معدومة، وهنا تكمن براعة الخطاب الموجه إلى الابن أو البنت، فالمدح هنا نصف البناء للثقة، فضلًا عن أنه يعزز من تماسك أركان ووجدان الابن ونظرته لوالديه بشكل فيه توقير وحب وانصياع وتعاون.

ولما كان المدح مهمًا كانت توابعه أهم، عندها ستكتشف الأم ويكتشف الأب في الأبناء شيئًا من الإنصات والاستجابة، وهنا تكمن البداية الصحيحة إذ إن الثقة مبدؤها انتظار التوجيه بالشكل الذي يلبي طموحًا الأب في ابنه والأم في ابنتها.
المهم أن نطلب منه الرأي والتحدث بعد الانتهاء لتبدأ مرحلة التقييم المبدئي لحديثه.

ثانيًاـ التكليف

إن الأبناء ليسوا بمعزل عن مهام البيت، ومن غير المقبول إبعادهم من باب إراحتهم، بل على العكس؛ فالكثير منهم يشعر بالسعادة عندما يقال له هذه الغرفة مسؤوليتك، المُهم طبيعة توجيه التكليف وطريقة الخطاب، فكما أن في بعض البيان سحرًا يشد العقول، هناك خطاب تنفيري بكثرة اللوم والاتهام بالتقصير، ولهذا أيضًا تبعات كبيرة سلبًا على الأبناء.

وعليه على الوالدين طلب المشاركة برفق أولًا كتمهيد للتكليف، وما أعظم أن يحدث ذلك في جلسة الأسرة العائلية الأسبوعية كفقرة اختيار قائد للبيت غدًا أو ما شابه؛ فالأمر متروك على فهم الوالدين للتعامل والتطوير بعيدًا عن الروتين والتقليد.

ثالثًاـ الفخر والمكافأة

وذلك بالمنح وإمتاع أذنيه، فمثلا في الأجواء الدراسية وطاحونة الحياة يجب ألا ينسى الوالدان أن يشجعا الأبناء على المضي في النجاحات، ويثنيا بشكل بليغ على التزامهم، بل ويؤلفا إن لزم الأمر قصصًا تروق لهم من باب التشجيع والفخر بهم، وأن يمنحا الجوائز والوعود الصادقة.

وهذه الأمور قد يراها البعض غير ذات أهمية، ولكنني أقول إنها مفصلية في تأسيس الطفل شموليًا، بل وتوابعها لا ينساها فضلا عن أن الكثير بعد سنوات من عمره يظل يدندن بها في مجالسه مع أقرأنه، وكأن الأمر قد حدث للتو، وهذا يثبت أن الأثر التربوي نجح في عدم نسيان هذه القيمة والمكافأة البسيطة.

رابعًاـ الشورى

أخذ المشورة هنا لا يعبر عن تقدير للرأي في البيت، على اعتبار أن الإنصات والاستماع للجميع أمر مسلم به؛ لأنه ركن ركين في البيت، وأن الصغير لن يظل صغيرًا طيلة عمره؛ فهذه المشورة تأسيس وتكوين وتوجيه أيضًا، فتفرز شخصًا يتحدث فنتمكن من تقييم لغته وأسلوبه وقدرته على توصيل المطلوب، فيفتح الأمر أبوابًا جديدة ربما يكون لها ما بعدها لو اهتم الوالدان بهذا الجانب وهي موهبة عظيمة ومهمة.

ختامًا
البيت سفينة والأب ربانها والأم هي الساعد الأهم والأبناء ركابها، فعلى الربان أن ينجو بسفينته من الأمواج العاتية ويوفر للركاب الأمن والأمان، وعلى الساعد الأهم أن يقف خلف الربان، وأن يكون الرأي موجهًا نحو حياة كريمة يحيا فيها الجميع في ظل الهدوء وراحة البال.

المصدر: بصائر