الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

" إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(التوبة 40)
تلك كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، من دار استضعافٍ وابتلاء وإيذاء إلى دار حريةٍ وعزةٍ وكرامة، بعد الصبر والثبات والتضحية، فسدوا الثغرات وأحكموا الخطوات وبذلوا كلَّ غالٍ ونفيس، لأجل رفعة الدين وكرامة الإنسان... فأقاموا للدين دولة، بات للإنسان فيها كرامة، يعتقد ما يشاء ويدع ما يشاء، وما استطاع أصحاب النبي تشييد ذلك البناء - رغم كل العقبات- إلا بعد أن غرس فيهم -صلى الله عليه وسلم- إيماناً أثمر صبراً وجلداً وقوةً واحتمالاً.
وقد توقف الإمام الشهيد حسن البنا عند هذا المعنى في كلمة له خلال أدائه مناسك الحج قائلاً: "إن هذا الإيمان ولَّد الصبر والاحتمال في النفس المؤمنة، صبر عجيب وتضحية وشجاعة، وقد تقلبت على النفس المؤمنة الامتحانات والاختبارات في المال والأهل والولد، فثبتت لذلك وصبرت صبراً عجيباً، وكان آخر ذلك الهجرة " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " ( الحشر - 8) .
(من محاضرة للإمام الشهيد في حفل أقامه الإخوان المسلمون بالمدينة المنورة في حج عام 1364ﻫ الموافق 1945م. )
وهجرتنا اليوم – نحن الإخوان المسلمون - على نفس السبيل تسير، ببذلّ وتضحية، بدعوةٍ وجهاد، وبعقيدةٍ أثبت من الجبال الشُّم الرواسي، ترى الله تعالى أكبر وأجلَّ من كل إمكانات البشر وإن اتحدوا...وبأخوةٍ تتأسى بأخوةِ المهاجرين والأنصارِ، بها نتعاون ونتعاضدُ ونتآزر، فلا يُفرّق جمعنا إنسٌ ولا جان بإذن الله.. وبتوكلٍ على الله تعالى عظيم، ورجاءٍ فيه كبير، وخوفٍ منه شديد، ثم بعملٍ، نُحكمُ فيه الخطة، ونجمعُ فيه الهمّة، ونسدُ به الثغرة، ونُعِدُّ على هديه لمستقبل مشرق قادم وقريب بإذن الله.. يتحقق فيه الأمل، مهما كانت الصعاب والتحديات والمحن.
أيها الإخوان المسلمون:
على ذات درب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم نسير؛ فلن نعترف يوماً بظالمٍ فاسدٍ، استباح الدماء وانقلب على الشرعية وأفسد فى الأرض.. فأعدوا أنفسَكم، مع كل العاملين لنصرة دين الله، لرفع الظلم وإحقاق العدل، ورفعة الوطن ونهضته، وانشروا الخيرَ والعدلَ والبِشرَ بين الناس، حتى يحيا فيهم الأمل، ويتطلعون به ليوم الخلاص من الظلم والظالمين.
واجعلوا الوفاء والعفو والصفح لكم بين الناس سبيلاً، فتعود لحمة الأمة كما كانت، رحيمةً بالضعيف والمظلوم والمحتاج، قويةً على الظالم والفاسد والمعتدي؛ ولا تجعلوا كل من خالفكم الرأي خصماً لكم، فابحثوا عن المشترك بينكم، وعظّموه وابنوا عليه.
وقبل هذا وبعده.. أحسنوا الصلة بكتاب ربكم وسنة نبيكم، واجعلوا من أخلاقكم وكلماتكم وأفعالكم خير دليلٍ يدلُّ الناس على ربهم؛ تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخيرا تذكروا قول الله تعالى: " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج -40).." إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (غافر -51)
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام الهجري الجديد عام فتح ونصر وخير وبركة على أمتنا ودعوتنا وعلى المظلومين والمستضعفين في كل مكان، وأن يفك أسر المأسورين من عباده الصالحين وأن يجعلنا من جنده الغالبين وحزبه المفلحين.
وكل عام وأنتم بخير.
والله أكبر ولله الحمد
القاهرة : جماعة " الإخوان المسلمون "
الخميس ٢٩ ذي الحجة ١٤٤٣ هـ الموافق ٢٨ يوليو ٢٠٢٢م