الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد،

من الحقائق التى يجب أن تكون راسخة في نفوس وأعماق أهل الحق، أن دعوة الحق لن تنفك عُراها، وأن قافلة الدعوة وموكب النور لن يستطيع أحدُ أن يُوقف زحفه، أو يحسر مدّه. وسيُكمل موكب النور مسيرته بإذن ربه؛ رغم كيد الكائدين، وتنكب بعض السائرين.ومن الحقائق الدامغة والسنن الواقعة، التى يجب أن تستقر في عقول ونفوس أهل الحق:

أنه برغم الكيد والتأمر والتكالب – من قوى الباطل – على دعوة الحق وأهل الحق، فلن ينالوا منها ومن أهلها إلا ما قضى ربنا وقدر، وسترتد إليهم سهامهم خائبة خاسرة، لأنها – قوى الباطل – كلها من قوي الأرض وعالم الفناء، وأهل الحق عائذون بقوة السماء ومن له البقاء. فلمن تكون الغلبة؟

ورحم الله الشهيد سيد قطب يوم قال: «ما كان لسفاهة سفيه، ولا للمزة جاهل؛ أن تنال من أصحاب عقيدة في الله».

ورحم الله شاعر الدعوة الأستاذ جمال فوزي(*)، يوم عبَّر عن هذا المعنى في إحدى قصائده الرائعة، فقال:   فدعوة الحق لا تخبو مسيرتها … لا تستطيع جيوش أن تواريها

فالله صاحبـها والله ناصـرها … والله حافـظها والله مبقيـها

والله أرسى قواعدها معمقة … في قلب أجنادها والله موحيها

والله برأها من كل ما وصموا … تبارك الله مجريها ومرسيها

لا السجن يرهبها لا الحل يحجبها … ولا المشانق والتقتيل يثنيها

الله أكبر دوت رغم أنفهمو … فالموت في ساحها أسمى أمانيها

إنها دعوة إصلاح وحق، ورسالة خير وصدق، يقوم على أمرها العاملون الأبرار، ويضحي في سبيلها الأطهار، وعلى طريقها المبارك يقضي نحبه الأخيار. ولهذا كله فهي في كنف الرحيم الغفار، وفي معية العزيز القهار، وسينصرها ربها مهما تكالب عليها الأشرار، وتذرَّع بها الغاصبون الفجَّار. (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) – التوبة (32).

ورحم الله الإمام الشهيد حسن البنا حين قال: «ما جمعته يد الله لا تفرقه يد البشر».هي دعوته ويسير في ركبها المبارك عباده، ولن يقع لها ولهم أو ينال منها ومنهم أحد إلا ما يريد الله سبحانه، وما كان الله ليضيع جهاد المجاهدين ولا تضحيات السابقين واللاحقين، وستتجاوز الدعوة هذا الظرف العصيب كما تجاوزت ما سبقه من ظروف وصعاب إن شاء الله، المهم نلزم الطريق ونستفرغ الوسع ونطلب من الله العون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إن دعوتنا دعوة حق، ودعوة الحق في رعاية الحق وتحت كنفه، وبالتالي لن يُوقف زحفها أحد. ورغم الهجمة التي تتعرض لها الدعوة، والأذى الذي يطال الدعاة والمصلحين، نقول للمتربصين بدعوتنا:

لن تستطيعوا إطفاء نور الحق، مهما فعلتم، لأن الله متم نوره ولو كره الكافرون، وعلى غرار ما قال سيد قريش عبد المطلب بن هاشم يوم جاء أبرهه لهدم الكعبة: (للبيت رب يحميه)، نقول أيضا: (للدعوة ربُ يحميها)؛ ولأنها دعوة الحق، ونوره بين خلقه، فلن يستطيع أحد مهما أوتي من قوة، أو مهما أوتي من منعة أن يقف فى وجهها أو يُطفئ نورها، لأن الله سبحانه قضى وقدَّر أنه مُتم نوره ولو كره الكافرون، وأنه سبحانه يأبي إلا أن يُتم نوره. (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة (32).

وقوله سبحانه: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) الصف (8).

ولأن دعوتنا دعوة ربانية (الله غايتها)، وبالتالي لن ينال منها كيد بشر، ولن يُوقف مدها طاغوت مهما طغى ومكر وهي دعوة محمدية (الرسول قدوتها)، يتذرع بها الغاصبون بكل طريق ليصرفوا الناس عنها، فيفتح الله لها البلاد وقلوب العباد، وسيذهب الغاصبون بغيظهم – كما هلك أسلافهم – لم ينالوا شيئاً.

 وما جمعته يد الله تعالى هل تفرقه يد البشر؟ ومن يتأسى برسول الله ﷺ هل يصرفه عن طريقه أحد؟عجبًا لأمر هذه الدعوة ، تمكر بها وتعاديها – قديما وحديثا – كل قوى البغي في الأرض، إما لوقف مدها، أو تفتيت صفها، أو تشويه نهجها، أو تحريف سيرها، أو صرف الناس عنها وتخويفهم منها، كل هذا الكيد بهدف الإجهاز عليها والخلاص منها.

ورغم هذا كله ظلت الدعوة – في معية ربها – تواجه هذا الكيد الغاشم بمواصلة العمل تحت كل الظروف، تنمو وتتمدد في الضيق والمِحنة كما هو في السعة المنحة، تتجاوز آلامها، وتعلو فوق جراحاتها، دون تفريط في ثوابتها أو انحراف عن خطها، لأنها تعرف رسالتها وغايتها.تتعاقب عليها الممالك والعروش والزعامات والعداوات التي وقفت في طريقها، وهي باقية بقاء الحق الذي تحمله وتدعو الناس إليه. فلا عجب إذًا من هذه الحالة التي أوجزها صاحب الظلال الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – حين قال: «سيذهب الطغيان، ويبقى الإخوان».وأيضا ما كتبه الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – يوماً حول هذا المعنى فذكر: «ومن الرؤية الواضحة أن يعلم سالك الطريق أن الله غني عنه وعن جهاده، وأنه هو الفقير إلى الله، وأن قافلة النور ستسير بإذن الله غير متأثرة بتخلف من يتخلف ولا تعويق من يعوق، والسعيد من فاز بوضع قدمه مع المسيرة المباركة، وثبت في صفوف المجاهدين لينال إحدى الحسنيين.» (1)

وختاماً: نؤكد على هذه الحقيقة الدامغة، التى يجب أن ترسخ فى النفوس والقلوب وهي: أن دعوة الحق ستظل غالبة ظاهرة، – بإذن ربها – لا يضرها من خذلها، وسيبقى موكب النور يبدد الظلام رغم فتن الليل المظلم، وسترسو سفينة الدعوة على بر الأمان رغم الأمواج العاتية، فأبشروا وأملوا.

(1) المصدر: مقال: (الرؤية الواضحة لمعالم الطريق) أ. مصطفى مشهور، نُشر بمجلة الدعوة، العدد (53)، ذو القعدة 1400هـ، سبتمبر 1980م.

(*) الأستاذ جمال فوزى – رحمة الله – أحد شعراء الدعوة، (1910 – 1986م)