تعلمنا في مهد التزامنا في هذه الدعوة المباركة أن الأخوة هي منحة قدسية، وإشراقه ربانية، ونعمة إلهية، يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عباده الأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه، قال تعالي:[ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ].

إن الأخوة في الله هي طريق إسعاد البشرية بوجه عام؛ لذلك لا يتصور للجماعة المسلمة أن تقوم أو يشتد عودها بدونها؛ فبالأخوة يصبح أفراد الجماعة المسلمة كأغصان الشجرة الواحدة لا تكاد تؤثر فيها عواصف الأعداء أو رياح الأهواء " والأخوة لكي تؤدي ثمارها المرجوة لابد أن تنطلق من الإيمان بالله بل هما ركيزتان متلازمان لا يستغني أحدهما عن الآخر.

ومن دون أن نعلم أنها ركن من أركان البيعة تعلمنا الأخوة، وتربينا عليها، وتعايشناها وعشناها مع إخوة لنا، مربين وقادة وصف، وتعلمنا بعد ذلك أنها جنة الدنيا إذا كانت بين نفوس صافية وقلوب واعية بأن الأخوة رابطة إيمانية عقدية، تقوم على الإسلام وشريعته التي أنزلها الله للبشر جميعًا إن في استشعار الأخوة أقوى الروابط والصلات يؤدي إلى إصلاح ما بين الناس وتصفية الأحقاد والأحساد.

إن الأخوة لها حقوق وواجبات متبادلة  قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (التوبة: 23). فتنقطع آصرة القربى إذا تعارضت مع آصرة العقيدة.

جزاء الأخوة في الله الجنة التى أعدها الله لعباده:

قال تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ. وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) (الحجر 45:48).

يقول الشهيد سيد قطب – رحمه الله -: «والمتقون هم الذين يراقبون الله ويقون أنفسهم عذابه وأسبابه، ولعل العيون في الجنات تقابل في المشهد تلك الأبواب فى جهنم وهم يدخلون الجنات بسلام آمنين. في مقابل الخوف والفزع هناك. ونزعنا ما فى صدورهم من غل في مقابل الحقد الذي يغلي به صدر إبليس فيما سلف من السياق، لا يمسهم فيها نصب ولا يخافون فيها خروجًا جزاء ما خافوا في الأرض واتقوا فاستحقوا المقام المطمئن الآمن فى جوار الله الكريم» (في ظلال القرآن 5/ 208).

عقد الأخوة:

وهكذا يظل الاتحاد ينمو حتى يكون عقدًا واجب الوفاء، فقد تكلم ابن تيمية عن (عقد الأخوة) هذا، وبين أن الحقوق التي ينشئها إذا كانت من جنس ما أقره النبي ﷺ من أحاديثه لكل مؤمن على المؤمنين، فإنما هي حقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله ﷺ وهذه ثابتة على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة، فيأتي العقد يؤكدها إذن.

الأخوة رباط الجماعة:

يقول المودودي رحمه الله: «علاوة على الصفات الفردية المطلوبة للدعاة فإننا نحتاج إلى أمر آخر من الصفات والأخلاق لتأسيس حياتنا الجماعية والمحافظة عليها، إنه مما لا غنى لنا عنه لإحكام نظام جماعتنا والزيادة من تماسكه ونفعه، أن يكون بين أعضائنا التحاب والتواثق بمعنى الأخوة، وأن يكونوا معتادين للتناصح والتواصي بينهم بالحق والصبر، ليقدموا بأنفسهم ويقدموا معهم غيرهم في سبيل الدعوة، إنه لا غنى عن هذه الصفات لنظام أي جماعة في الأرض،

وإلا فلو تخلق كل فرد في ذاته بأعلى ما يكون من الصفات الجميلة والأخلاق المحمودة، ولكن بدون أن يكونوا مرتبطين بينهم – يعني بالأخوة – متخلقين بالصفات الجماعية المذكورة، فإنهم لا يستطيعون أبدًا أن يقوموا في وجه الباطل ويقارعوه، إنه من الظاهر أن كل فرد في هذه الدنيا إنما يعيش متكاملًا مع غيره من الأفراد، فإذا لم يكن بين الأفراد حسن التكافل والمواساة والإخلاص والإيثار والتضحية (وكلها تدخل ضمن الأخوة) من بعضهم لبعض، فإن الاختلاف في طبائعهم لابد أن يقضي على ما يبتغون من التعاون بينهم، إذ لا يسير نظام الجماعة إلا على مبدأ أن تترك شيئًا لخاطر غيرك ويترك هذا الغير شيئًا لخاطرك، وهذا الإيثار والتضحية مهم جدًا». (تذكرة دعاة الإسلام).

عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». (أخرجه البخاري (ح/3485).

قَالَ أَنَسٌ: «فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ».

معنى الأخوة عند الإخوان المسلمين :

قال الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله: "وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوبُ والأرواحُ برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابطِ وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّقُ أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وِحْدَةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: من الآية 9) ..

والأخُ الصادقُ يرى إخوانَه أوْلى بنفسِه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكونَ بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، و(إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ) (أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم) و(الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) (متفق عليه) ... ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: من الآية 71) وهكذا يجب أن نكون".